الفصل الحادى عشر
سما .. جرح لا يندمل ..~
{ سـ تتعلمين كيف تتخلين كل مرة عن شيء منك ..
كيف تتركين كل مرة أحداً .. أو مبدأ .. أو حلماً .. !
نحن نأتي الحياة كـ من ينقل أثاثه و أشياءه ..
محملين بـ المباديء .. مثقلين بـ الأحلام ..
محوطين بـ الأهل و الأصدقاء ..
ثم كلما تقدم بنا السفر ..
فقدنا شيئاً .. و تركنا خلفنا أحداً ..
لـ يبقى لنا في النهاية ما نعتقده الأهم .. !
و الذي أصبح كذلك .. لـ أنه تسلق سلم الأهميات ..بعدما فقدنا ما كان منه أهم .. !!}
تجلس على كرسي هزّاز قرب نافذة غرفتها .. مضت أيّام على تلك الليلة الحزينة التي أمضتها في غرفة سنان تبكي حالها .. تبكي ذنبا لم تقترفه .. لا تعلم لما تقسو عليها الحياة .. لكنّها تعلم أنّ شيئًا قد كُسر داخلها يصعب ترميمه .. ما عادت سما الضاحكة التي تغدق بسخاء .. ما عادت سما التي تحبّ ببذخ وتعفو بطيب خاطر زلاته .. نسيانه لها .. بروده معها .. كلمة حبّ لم تسمعها يوما تخرج من بين شفتيه .. كانت تتألم بصمت .. ومع ذلك كانت مكتفية بتواجده الغائب في حياتها ..
ترفع رجليها لتضمّهما إلى صدرها وتضع ذقنها على ركبتيها، غير عابئة بنسمة الهواء الباردة التي تتسلّل من النافذة المفتوحة لتتشعّب بين ثنايا جسمها المنهك والذي لم يحمِه قميصها القطنيّ الخفيف من تلك النسمات المتطفّلة. طالما رُدّد على أذنيها ( يجب أن تتحرّري منه )، أيعقل أنّها فرصتها لتتحرّر من عبودية حبّها له .. لما يعتبرون حبّها ذاك، قيد يلتفّ حول رقبتها، لما لا يرونه كما كانت تراه، مصدرا لقوّتها. ألَمْ تضعف ما إن إرتبط بأخرى ليعود تماسكها بعودته إليها .. أيعقل أنّها كانت سجينته ..؟ لا تعلم إذا هل عليها الفرح بإنعتاقها منه أم الحزن لإبتعادها عنه .. ؟ هي مجروحة .. مازن الذي ترعرعت بين يديه .. شاركته وعماد، سنان وإيساف ألعابهم .. وأطعمتهم .. ركضت في بيتهم ومن ثمّ بيت عمّهم وهي تلعب " الغميضة " .. تبحث أين تختبئ فتتبعه أينما إختبأ .. ليتذمّر في بادئ الأمر ويصرخ فيها بنبرته الطفوليّة محاولا بثّ بعض الخشونة بين حبائل صوته " سماويّتي لا تتبعينني " ثمّ يمسك بيدها ليشدّ عليها ويخبئها خلفه .. تتذكّر كيف كان يخصّها بإسم ( سماويّتي ) يناديها به، مضيفا ياء ملكيّته، ليضرب عماد كلّما حاول إستعماله ومناداتها به، فيزداد فخرها بفارسها، فخر طفلة لا ترى غيره. وينتقل إلى أحلام حبّ مراهقة تبني أسوار مملكتها وتزيّن تاج عرشها، تنتظر أن تُزفّ إلى أميرها .. لتأتي تعويذة غير التي تلتها، حاملة معها نعيق الغراب يخبرها بأنّ سندريلا نسيت أن تترك فردة حذائها وأنّ فلّة إختنقت بالتفاحة لتفارق الحياة وأنّ الأميرة النائمة لم تستيقظ لأنّ الأمير بحث عن غيرها..
عائدة يومها من جامعتها، سعيدة بعيد ميلادها الذي تدقّ أجراس الفرح والبهجة إحتفاءًا بقدومه .. " الليلة يا سما سترينه " خمسة أشهر أمضاها في فرنسا في إحدى سفرات عمله. خمسة أشهر لم تسمع فيها صوته، ولا صراخه على من حرّك أشياءه من مكانها.. خمسة أشهر لم ترى فيها غمّازته وهو يزمّ شفتيه إعتراضا على ما تلفّظته إيساف من جنونها المعتاد .. خمسة أشهر إشتاقت فيها إلى صوته وحركاته وإبتسامته التي يرسمها خيالها والتي ستضفي عليه جمالا قد يودي ببقايا عقلها ..
تنتظر حفلتها الصغيرة التي أصرّ والدها على تجهيزها إحتفالاً ببلوغها العشرين من العمر ورغم إعتراضات والدتها بعدم جواز الإحتفال بأعياد الميلاد دينيا إلاّ أنّه علّل رغبته بتغيير الأجواء والإستمتاع بلمّة هادئة.
بفستانها الزهري البسيط، تنتقل بخفّة بين والدتها والخالة سارة التي أتت باكرا لتساعدهم بتحضير أطباق عراقيّة لا يطبخونها إلاّ في مناسبات قليلة. تنتظره، ترفع عينيها الخضراوين كزمرّدة تشعّ بهاءًا، إلى xxxxب الساعة. خجلها يمنعها من سؤال سنان أو إيساف عنه. متأكّدة من قدومه بعد مهاتفة والدها البارحة التي وعده فيها بالقدوم.