--17- فى اثناء تدريب فريق الموسيقى كان هانى شارد الذهن ومشتت وايمن يتابعه بنظراته بين الحين والآخروهو يرى الحيرة على وجه،بعد الإنتهاء من التدريب غادر الطلبه بقى هانى جالسا فى مكانه كان ايمن يشعر انه يريد ان يقول شيئا ربما ينتظر حتى يصبحوا وحدهم.إنصرف الجميع وبقي هو امسك ايمن باحد المقاعد وقربه من هانى وجلس بجانبه صامتا ينتظره ان يبدا بالحديث لكن هانى ظل صامتا كان على احدهما ان يقطع هذا الصمت ويفتح بابا للحديث،فبادر ايمن بالسؤال:
-هل تريد ان تقول شيئا.
هو بالفعل يريد ان يتحدث عن مايا ولكنه تراجع فماذا يقول له..انه يغادر الجامعة سرا ليلاحق فتاة ليس بينه وبينها اية علاقة..ظل مترددا وايمن ينتظره ان يتكلم وبعد تفكير قال :
-كنت اريد ان اخبرك انى قد انهيت القصة التى كتبتها واريد ان اعرضها عليك لتخبرنى عن رايك .
كان ايمن يدرك انه ليس هذا ما اراد ان يقوله هانى فنظر إليه وقال:
-اهذا كل شيئ..لا تريد ان تقول شيئا آخر.
اصر هانى على ان هذا فقط ما اراد قوله.لم يلح عليه ولم يخبره بما قالته مايا وتظاهر انه لا يعرف شيئا كان يريد ان يعرف إذا كان سيخبره هو بنفسه ام سيخفى عنه ..طلب منه أن يعطيه القصه لكى يقراها فقال فى ارتباك انها فى غرفته سوف يحضرها له فى وقت لاحق وقام من مكانه بسرعة وبقي ايمن جالسا وحده.ثم ناداه فجأة وحين إلتفت اليه ساله:
-هل انت واثق انك لا تريد ان تقول شيئ.
-لا ياسيدى هذا كل شيئ
ثم تركه وانصرف.
*فى المساء كان ايمن فى غرفته يتحدث مع الدكتور رينو المشرف على رسالة الدكتوراه عن طريق البريد الإلكترونى قطع حديثه صوت طرقات على الباب فنزع السماعة من اذنه وهو ياذن للطارق بالدخول وكان يتوقع انه هانى وكان حدسه صحيحا اعاد وضع السماعة واشار له بيده ان يجلس ثم واصل حديثه مع دكتور رينو..وبعد ان انتهى الحديث اغلق جهاز الحاسوب ووضعه جانبا ليستمع إلى هانى الذى كان مرتبكا.
هل احضرت القصة لكى اقراها.
-لم اتى لهذا الامر
-وانا اعرف هذا..هناك شيئ تريد قوله وانا منتظر ان اسمع.
-هناك سؤال دائما اساله لنفسى ولا اعرف الإجابة..كيف اعرف انى احببت؟حين اقابل فتاة كيف اعرف انها هى التى خلقت من اجلى ؟انهاالفتاة التى فى احلامى هل سيهطل المطر حين اراها مثلا.. ام ترعد السماء وتهب الرياح عند قدومها.. ام انها ستعلق لافتة على صدرها مكتوب عليها إسمى..كيف اعرفها إذا قابلتها.
-قلبك سيخبرك..عليك فقط ان تتبع قلبك.
ادرك ايمن ان هانى يقصد مايا فساله:
-هل تحب مايا.
فوجئ هانى بالسؤال لم يكن يتوقعه اخبره ايمن عن لقائه بمايا وقد اخبرته بما فعله معها .. فشعر هانى بالخجل فعاد ايمن يساله مجددا"اتحبها"
-لا ادرى..سالت نفسى كثيرا لما انا مهتم بها لماذهبت لكى اراها لما افكر فيها دائما لم اجد إجابه .
-مايا فتاة مرت بظروف صعبة تعيش حالة من الحزن لا تعرف كيف تتخلص منه قد تكون بحاجة لوجود شخص يساعدها على إجتياز ازمتها..إنها بحاجه إلى شخص يمنحها السعادة يعيد اليها إبتسامتها .
حكى له عن ظروفها وحزنها على خطيبها الذى احبته كثيرا ولم تستطع ان تتخلص من حزنها عليه ثم ساله إن كان قادرا على الوقوف بجانبهاام لا ولم ينتظر منه إجابة..وقبل ان ينصرف ساله سؤال اخر بعيدا عن موضوع حديثمها..ساله عن كريم صارله فتره يختفى بعد المحاضرات واغلب الظن انه يغادر الجامعه يعرف انه طائش ولا يقدر المسؤليه وهو يخشى عليه من طيشه هذا..تردد هانى قبل ان يخبره انه يذهب كل يوم إلى النادى ليرى مونيكا بعد علمه انها إلتحقت بمدرسة للرقص وسوف تشارك فى المسابقة
*كان كريم فى النادى واقفا بعيدا يشاهد مونيكا وهى فى تدريب الرقص وكانت ترقص مع شريكا لها كان مستمتعا وهو يراها ترقص شرد بذهنه وتخيل نفسه يرقص معها وفى لحظة شروده هذه شعر بيد وضعت فوق كتفه كان مازال يحلم وظنها يد مونيكا فامسكها برفق وهو سعيد يبتسم إبتسامته الغريبه ويقربها من فمه يقبلها وحين فتح عينيه وجد ايمن امامه فانتابه الذعر والإرتباك ولم يستطع ان ينطق بكلمه..امسكه ايمن برفق وصار معه خارج النادى ظلا سائرين دون ان يتكلم معه كلمة واحده ثم توقف عن السير فجأه ونظر إلى كريم وقال له بهدوء:
-حين طلبت منكم فتح البوابة الخلفيه كنت اريد ان اجعلكم تشعرون بالحرية وانكم لستم فى سجن،ظننتكم مسؤلون ولكنى كنت مخطئا لانكم لم تدركوا معنى الحرية..الحرية إلتزام ومسؤلية وليست فوضى وتسيب،ان تكون حر ليس معناه ان ترتكب الاخطاء فى حق نفسك ولا غيرك وان تحترم الثقة التى اعطاها لك الآخرون.
شعر كريم بالخجل حين سمع كلام ايمن وقال محاولا تبرير ما فعل.
-انا لم اخن ثقتك سيدى.. كل مافعلته انى اردت ان ارى مونيكا وهى ترقص انا حتى لم اتحدث إليها هى لا تعرف انى اراها .
-ولكنك فعلت هذا فى الخفاء والشيئ الذى نفعله فى الخفاء ندرك انه خطأ لو انك مقتنع بانك لا تخطئ كنت على الاقل اخبرتنى بحكم اننا اصدقاء.
اطرق كريم راسه خجلا وهو يعتذر ووعده انه لن يفعل شيئا دون علمه..
حاول ايمن ان يخفف عنه هذا الشعور فساله مازحا:
-هل مونيكا ترقص جيدا؟!
ابتسم واجابه بحماس واعجاب.
-إنها رائعة جدا ولكن شريكها يبدو عليه انه اول مرة يرقص فيها فهو سيئ جدا.
-اترى نفسك افضل منه.
-كثيرا جدا..لكنى لا احب ان اتحدث عن نفسى كثيرا.
عادا إلى الجامعه حيث تركه ايمن وظل واقفا وحده فى الساحه بينما كريم ذهب فى طريقه إلى غرفته واثناء سيره فى الممر الذى كان مظلما فجأة وجد الانوار قد اضيئت توقف فى مكانه وبدا قلبه يخفق خوفا وببطئ شديد إلتفت ليجد نفسه يواجه المدير الذى كان يقف بقامته الطويلة ويديه معقودة خلف ظهره ينظر إليه بنظرات حاده ووجه عابس كاد قلبه يتوقف من الرعب وهو ينظر إليه بفزع وإحتبست الكلمات فى حلقه حين ساله بصوته الحاد القوى.
-ماإسمك..
كان يرتعد من الخوف وهو ينطق إسمه ثم ساله.
-اتدرى كم الساعة الآن .
-العاشرة سيدى.
-هذا معناه انك إخترقت النظام ..اين كنت.
لم يستطع ان يقول شيئا حاول ان يفكر فى شيئ يقوله ولكن عقله قد توقف ولم ينقذه من هذا الموقف الصعب إلا سماع صوت ايمن يقول له :
-كريم اما زلت هنا هيا إلى غرفتك فقد تاخر الوقت.
حين سمع هذا انطلق بسرعة متجها الى غرفته وبقى المدير واقفا ينظر إلى ايمن فتقدم منه الاخير وقال:
-كريم كان فى غرفتى يسالنى عن بعض الاشياء التى عجز عن فهمها فمضى بنا الوقت دون ان نشعر ..اعتقد انك تاخرت سيد شاكر عن موعد مغادرتك وانا اعرف حرصك على المواعيد..طابت ليلتك سيدى.
*بعد ان إنتهت المحاضرات طلب ايمن من الطلبه عدم المغادرة فبقو فى اماكنهم فى إنتظار ان يقول لهم شيئ مهم..كان يحمل معه لفافة كبيرة مغلفة بورق الهدايا وضعها امامه وهم ينظرون إليها فى فضول،نادى ايمن على هانى طالبا ان ياتى ويقف بجانبه امام الطلبة،اصاب هانى شيئ من القلق ربما اخطأ فى شيئ ما ويريد ان يعاقبه امام زملائه ولكنه يعرف ان هذا ليس من طبيعته الطالب الذى يخطئ يتحدث إليه بمفرده بعيدا عن زملائه حتى لا يسبب له الحرج،لكنه لا يدرى ما سبب طلبه هذا..ذهب هانى وكل العيون تتجه نحوه يريدون ان يعرفوا ما الامر،حين وقف هانى بجانب ايمن ساله فى قلق:
-هل اخطات فى شيئ سيدى.
طمانه ايمن ونظر الى الطلبة ثم اخذ يفتح اللفافة التى امامه إذ يوجد بها مجموعة من الكتب..لف زراعه حول كتف هانى ويده الاخرى ممسكة بكتاب وقال محدثا الطلبة.
-هذه اول رواية تنشر لصديقكم هانى احضرت لكم نسخا منها لكى تقرؤها.
وطلب من احدهم ان يوزع عليهم النسخ لم يكونوا مصدقين لولا انهم قراوا اسمه على الغلاف حتى هانى نفسه اسكتته المفاجاه ولم يصدق،فنظر إلى ايمن وهو فى حاله من عدم الإستيعاب وقال:
-ارجوك ياسيدى لا تمزح معى بهذه الطريقة.
إبتسم له وقال وهو ممسكا بالروايه.
-ولما امزح معك اليست هذه روايتك..اليس هذا اسمك.
-انا لا اصدق.. هل هذا حلم؟
-نعم إنه حلمك، لكنه صار حقيقة ملموسة بين يديك..لياخذك إلى المزيد من الاحلام التى سوف تتحقق.
-ولكن كيف حدث هذا.. لم اسعى إلى نشره..لم افكرحتى ان اعرضه على دار نشر.
-ولكنى فكرت..عندما اخذت منك الرواية لاقراها اعجبتنى كثيرا ورايت انها تستحق ان تنشرفاخذتها إلى احدى دور النشر فاعجبوا بهاوقاموا بنشرها وكنت اتابع بنفسى طباعتها واخترت لك صورة الغلاف.
دمعت عيناه من اثر المفاجاة التى لم يتوقعها وقال فى تاثر:
-لقد فعلت كل هذا من اجلى..نشرت روايتى على نفقتك الخاصة وانت لست متاكدا انها ستنجح ويقبل عليها الناس ..لا اعرف ماذا اقول لك..كيف ارد لك هذا الجميل..انت حققت لى حلما لم اكن اتوقع تحقيقه الان ..كنت اظن ان امامى الكثير والكثير قبل ان تنشر لى رواية.
لم يستطع هانى ان يحبس دموع الفرحة والتاثرالتى جعلت الطلبه فى حالة من الصمت..قال له ايمن:
-ليس لى الفضل فى شيئ لولم تكن موهوبا لما قبلوا نشرها وان كنت تريد ان تقدم لى شيئ بالمقابل فاستعد لكتابة رواية اخرى ولكنك هذه المرة ستنشرها على حسابك.
قال هذا على سبيل المزاح.ثم قال له بنبرة حانية.
-انا فخوربك..وفخور بكم جميعا رغم انكم لم تفعلوا شيئا بعد ولكنى واثق ان بداخل كل واحد فيكم حافزا يدفعه للنجاح وللتميز.
قام الطلبة والتفوا حول هانى يهنئونه وطلب منه كريم ان يكتب له إهدائا ويوقع له مثلما يفعل المشاهير وقال وهو يمزح.
-وقع لي الآن لانك حين تصبح مشهورا لن نستطيع الوصول إليك
دخل عليهم المدير حين سمع اصوات ضحكاتهم وقال موجها حديثه لايمن.
-ما الذى يحدث هنا..كيف تسمح لهذه الفوضى ان تحدث فى قاعة المحاضرات
وقف الطلبة فى اماكنهم صامتون..نظر إليه ايمن وقال.
-الطلبة سعداء بزميلهم ويقدمون له التهنئه..لقد نشرت له اول روايه.
وقام ايمن بإعطائه نسخة منها اخذها المدير بعدم إهتمام وهو ينظر فيها ويقلبها بين يديه وقال لايمن وهو يوبخه:
-وانت طبعا من شجعه على هذا الهراء الا تخجل من نفسك من المفترض انك استاذا ومربى وتشجع طلبتك ان يكتبوا هذا الكلام الفارغ بدلا من ان تشجعهم على المذاكره والإهتمام بمستقبلهم،هل عرفت الآن لماذا كنت ارفض تعين الشباب امثالك لانهم لا يقدرون المسؤلية.
-ماكتبه هانى ليس هرائا ولا ضياعا للوقت إن لديه موهبه سوف تجعله قريبا جدا كاتبا معروفا ،يوما ما ستفخر به حين تقرا إسمه على كل رواية وحينها ستقول هذا الكاتب الكبير كان طالبا فى جامعتى ولكن حينها ماسيكون شعورك وانت لم تقدم له الدعم ولا التشجيع بل كنت تحبطه وتقلل من شانه.