الفصل التَّاسع عشر : السَنَد.

1K 101 67
                                    

والدتي ؟
ليس هناك الكثير لأقوله عن والدتي.
كانت امرأة قاسية وجافَّة.
كانت هي السبب في انفصالي عن العائلة..
أتذكر أنه كان يوم صيفيٌّ مشرق، كان يوم تخرُّجي من الجامعة.. عُدت إلى البيت وأنا أحمل في قلبي مخزون عشر سنوات من السعادة ولكنَّها أطفئتني في اللحظة التي وطأت فيها قدمي عتبة المنزل.
تشاجرنا وتعالت أصواتنا في المنزل، كان شجارٌ كنتُ قد اعتدتُ أنا ووالدتي أن نفتعله كل مدَّة لكن هاته المرة انتهى بطردها لي من المنزل.
تدَخَّل والدي في تلك الأثناء، تعجّب من طلبها ولكنها أصرَّت وقايضت بقائها بمغادرتي. نعم، والدتي قالت إن لم تغادر شمس المنزل سأغادر أنا.
غضِب والدي ورفض طلبها، ولكن لطالما كانت والدتي امرأة قويَّة ومسيطرة.
غادرت المنزل تحت أمطار دموع نجم.. التفت إلى المنزل الذي ترعرعت فيه وهمست لقلبي المكسور
《 أظنُّ أنَّ والدتي أضاعت بوصلة الأمومة 》.

لهذا أنا أتعجَّب من الحنان الذي يكسوك.. منذ حديثنا الأوَّل شعرت أنك شخص ليِّن؛ كقطرة المطر.
وهذه صِفة لا يستطيع الانسان اكتسابها أو تصنُّعها إنها شيء خُلِقَ معك، شيء عفويٌّ، شيء أنتَ لا تعطيه بالاً ولكنِّي أفعل.. فقد كنتُ مثلك يوما ولكن سرقته منِّي والدتي..
وأصبحت أنا أيضا امرأة قاسية.

_______________

دخلت شمس للبيت، كان المغرب..
غروب الشمس فالشتاء ياخذ برك دقايق يعمل فيها مراسم اختفاء الشمس وترجع الدنيا ظلمة ثم ثم..
كان البيت بارد، فارغ، مظلم وفي حالة فوضى تحسب صرا فيه زلزال..
قعدت فلرض حكمت راسها بيدها وغمضت عينيها..

بعد ثواني، تنهدت نفس طويل متقطع، فتحت عينيها وتلفتت من ومن.. بقات تشوف فالبيت اللي راو يبان كأنه مهجور، خالي من الروح..
بقات تشوف هكاك حتى تخيلت روحها دارهم.. البيت دافي والأضواء شاعلة، الناس تمشي فيه.. نجم الدين يضحك وينقز هنا ولهيه وباباها قاعد ويتفرج التيفي وماماها فالكوزينة تعمل فالعشا..
تبسمت ثم اختفت الأجواء الوهمية ورجع الظلام سيطر على مرآها..
نزلو دموع من عينيها كيف اللآلئ..
بلعت ريقها وناضت وقفت، كانت وقفتها عيانة.. عيونها حاملين بزاف.. ووجها شاحب.
طلعت للفوق بخطوات متثاقلة..
عمرت ليفاليز تاعها بصوالحها ولملمت أوراقها اللي تسحقاهم..
وهبطت..
حطتهم فالطوموبيل تاعها.. جات رايحة قبالة الباب باش تركب.. حتى شافت عاصم جاي..
ضرب قلبها وتوترت شوي حتى كي قرب ركّزت أكثر فملابسه وتمتمت بصوت خافت..
- راسل!!

قرّب راسل لعندها وتبسم ابتسامة مشرقة وشير بيدّه وقالها..
- أستاذة معليش دقيقة!
تبسمت وهزّت راسها ايه..
قرّب لعندها، وقف قدامها صافحها وهي قاتله..
- واش راك راسل!
- لباس وأنتِ أستاذة!
- حمد لله.
قالت وتبمست هبطت عينيها..
سكت شوي وهي طلعت عينيها فيه وقاتله..
- سمحلي منقدرش نقولك تفضل للبيت بسك راه فارغ، فضّيته..
- راح ترحلي!
- ايه..
سأل مستغرب وهي جاوبت، وكملت بعد ثواني..
- نقعدو فالطوموبيل ونهدرو.
هز راسه ايه..

A P R I C I T Yحيث تعيش القصص. اكتشف الآن