الفصل الثالث والأربعون : عودة الكابتن.

1.4K 81 75
                                    

أنا لم أقابل والدتي أبداً، لذا لا يمكنني أن أقول أنني أشتـاق إليها فـ ليس لي ذكريات معها.
لا أعرف رائحتها؛ رائحة الأم التي يتغنى بها الناس، لا ترنُّ على مسامعي أطلال صوتها، لم أعِش مع أمٍ ولا أعرف كيف هو الشعور أن تتواجد في حياتک تلک المرأة التي أنجبتک، لا أعرف ماذا يمكن أن تفعل لأجلک، ولا كيف هي الحياة بوجودها.
هل يصبح للعيش طعم آخر ؟
الجزء الذي لم تتواجد فيه والدتي بقيَ فارغا منذ فتحتُ عيناي على هاته الحياة، تماما كـ منزل اِكتمل بناءه ولكن لم يسكنه أحد وبقيَ مجهورا، للأبد.
حاولتُ ملأه دائما، جرّبتُ المخدرات وكنتُ المطلوب رقم واحد في حيِّنا القديم. كحول وثمالة حتى تشرق الشمس فأنام اليوم بطولِه كأنني نوع من الكلاب الضالّة لا تتجول إلا في الليل. تعرّفت على فتيات عديدات حتى أنني نسيت أسماء بعضهنّ أو كلهنّ لا أعرف، لم أعد أعبث بذكريات الماضي بعد الآن.
جرّبت سباق الموت بـ سيارات كنا قد سرقناها وتعرضنا للمطاردة من طرف الشرطة ليالٍ عديدة.. اِنخرطت في أحد الأندية الممنوعة قانونيّا، تلک التي تدير مباريات المصارعة المميتة؛ أي يغادر الحلبة فائزٌ واحدٌ فقط بالإضافة إلى جثة.
لم أخسر مباراة واحدة من أصل 25، أي أنني قتلت 25 شخصا فقط من أجل إرضاء مُتعَة الوحش الذي كان يسكن المنزل المهجور في داخلي.

مرّت السنوات وأنا كالكلب المسعور.

ثم تعرّفتُ على سارة، تقرّبت مني ونشرت خيوطها حولي وكبّلتني ببطء وسلاسة ودون أن أشعر، تماما كما تلّف العنكبوت جثّتها بخيوط ناعمة ثم تأكلها.
ادّعت أنها هي الفتاة من تلک الليلة.
تلک الليلة حين التقيتُ بکِ، أنتِ الفتاة التي أحرقت زيّ الشرطة الخاص بي يوم تخرّجي من الأكاديمية.
كنتُ قد بحثتُ عنکِ كالمجنون، فقد جرحتي كبريائي أكثر من أيّ شخص وأيّ شيء.
تسرّعت وقررت جعل كل شيء رسميّ، خطبتها وكنا نحضّر للزفاف.
ولكنّي تراجعت..
صحيح استطاعت سارة أن تأسِرني لبعض الوقت، ولكن كانت علاقتي بها تماما كما كانت علاقتي بالأشياء التي سبقت، كانت مشاعرا وهمية، يذهب مفعولها بعد قليل من الوقت الممتع، لتحلّ مكانه الكئابة.
انفصلتُ عن سارة بعدما أخبرتها أنني لا أستطيع مواصلة حياتي معها، وحقا.. أنا لم أحببها قطّ، بل اِعتدت عليها تماما كما كنتُ معتادًا على جرعة المخدرات التي واصلت تعاطيها حتى بعد اِنظمامي لصفوف الشرطة.

ولكن بعد أن انفصلتُ عنها، توقفت عن فعل كل شيء..
كل نشاطاتي -أو الأصح- عاداتي السيئة التي كانت قد صنعت منّي شخصا لم أكن أستطيع النظر إلى انعكاسه في المرآة.
أصبحت شخصا مُتَّزِناً، طبيعياً، هادئاً ولكنني كنتُ فارغاً.
فارغٌ جدا لدرجة لو لمسني أحد لسمع صدى لمسته داخلي يتردَّد.

A P R I C I T Yحيث تعيش القصص. اكتشف الآن