الجزء الثاني من الفصل السادس عشر

2.3K 91 14
                                    

أشهد أني لم أرك أبدًا سوى محتلًا يفاوضني، ويصنع من سياسات الحرب فكرًا جديدًا وبه يورطني، ويشعل على كافة حدودي نيرانًا حين نشبت بداخلي أضحت من المنطق تجردني، ثم تغزوني كما السيل الذي ما ظننت أن يأتيني يومًا أو بالأحلام يراودني. أشهد أنك وحدك من بالاستيلاء على نبضي قد عاهدني.

كأنك بالاستعمار في عمق الحشا جئت لكي تهادنني، وتجتاح وحدتي قسرًا و بصخب المشاعر تكبلني، ثم تحجم سطوتي وبسلطتك على جوارحي تجابهني.

مسيطر أنت كأنك جيش وشعب ترك العالم من خلفه وجاء ليسكنني.

༺༻

لو أن الغميات في صدورنا تُرى لعلم من حولنا أن شتاء أرواحنا العاصف دومًا ما احتل المشهد وأن باقي الفصول ما هي لنا سوى وقت مستقطع قد لا نحظى به مطلقًا.

ولو أن الصمت الرابض خلف شفاهنا يقرأ لكشف عن حجيم يسري.

في كلمات لجمناها ..  مضطرين .. مضطهدين .. خاضعين وقد حرم علينا البوح.

ورغم قسوة الواقع ستظل حقيقتنا أمر لا نستطيع الهروب منه أبدًا.

لذلك وبعد أن مر يومان منذ أن طلبت الطلاق دون تردد مازالت شيراز لم تتخط نشوة  الثبات الذي وقفت به في وجه بلال، مازالت مستمرة بدعم نفسها التي ترتجف رهبة من عواقب ذلك القرار وإخبارها أن تطمئن، مازالت تحتوي ذاتها وتبث فيها روح النضال لتكمل طريقها الذي حسمته دون أن تلتفت لشيء سوى نفسها حتى وإن كانت تلك هي الالتفاتة الأخيرة، فلكل شيء ثمن وهي قررت ألا تدفع سوى مقابل شيئ يستحق …. وحريتها لها كامل الاستحقاق.

تحركت شيراز تقف أمام المرآة بملامح مسترخية رغم كل ما يدور في جوانب عقلها تتفقد ملابسها التي اهتمت بها علي غير العادة ولم تحاول أن تبحث عن السبب موفرة عمق تفكيرها لما هو أهم، فليومين متتاليين ومنذ رحيل بلال الذي لم يتقبل حديثها ولم يرضخ له حتى كاد أن يحتد الموقف بينهما لم تر حكم، لم تلتقِه ولو صدفة بممرات البيت، ولم تسمع صوته حتى كأنه قد اختفى تاركًا إياها خلفه لتمر بوعكة مشاعر تجعلها في أمس الحاجة إليه، تجعلها مصممة على إيجاده والوقوف أمامه لتستمد من وجوده قوة تئد بها عواصف فكرها التي باتت على أشدها.

 أطلقت شعرها الاحمر على ظهرها ثم نظرت له بغير رضا قبل أن ترفعه إلى الأعلى وبمنتهى الاحترافية جمعته في تسريحة فوضوية تمنحها هالة نارية، تشعرها كما لو أن بداخلها وهج يعافر ثم اقتربت من ماسة التي حاوطتها بالوسائد جيدًا ووضعت بجوارها جهاز لاسلكي وهي تتأملها بحب وتقول

" لا تستيقظي الآن صغيرتي حتى أجد حكم الهارب ثم سأعود لأجلك"

 التقطت شيراز جهاز لاسلكي آخر موصول بخاصة ماسة لكي تسمعها إذا استيقظت والتفتت نحو الباب لتشهق وهي تجد يهدين تقف بهيئة شعرتها مرعبة فقالت لها

أرض السيد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن