الفصل الثاني والثلاثون

2.1K 107 63
                                    

 الفصل الثاني والثلاثون 

༺༻

وسيظل مفهوم القوة لدى الرجال لا استثناءات فيه، فلا رجل قد يعترف بهشاشته مطلقًا، جميع الرجال أقوياء ذوي بأس إن تسألهم، جميعهم محصنين ضد الألم، فلا دموع لا هزائم ولا تجارب موجعة قد تزعزع ثباتهم، جميعهم أصلب من أن يصيبهم التفكير المفرط، من أن تجتاحهم المخاوف المقبضة، من أن يتملك منهم الأرق والاكتئاب وتوابع الصدمات، جميعهم أجسر من أن تخضعهم المشاعر، من أن يروضهم الاحتياج من أن تغير مصائرهم أنثى ألصقوا بها الهشاشة عنوة، جميعهم فوق منطق البشر الذي يقول أننا جميعنا ضعفاء حتى تموت قلوبنا في غمار التجارب.

༺༻

كثيرًا ما تضعنا الحياة على مفترق طرق شديدة الانحدار تجعل مسارنا الحتمي كارثيًا لا محالة، تجعل كل المتاح أمامنا هو اندفاع مهول نهايته صدام عنيف مهما حاولنا تفاديه لن تنجو منه أرواحنا المنهكة إلا وهي تحمل من الندوب ما سيجعلها تظل رهينة الحزن والألم إلى الأبد، صدام مدوي ستظل تفاصيله تتلاعب بعقولنا التي ما عادت متزنة، ما عادت تملك رؤية واضحة لآفاق العالم الممتد والذي بات في ضبابية عيوننا المستنزفة سجن يضيق من حولنا كلما مر الوقت ويلصقنا بجدرانه الباردة المدببة لتملأنا بالجروح والصقيع الذي يدخل مشاعرنا في حالة جمود عاتية تجعلنا دون إرادة منا محض مسوخ ندعي الإنسانية، تجعلنا وحوش مقيدة خلف ملامح بشرية باهتة منطفئة، تجعلنا أجساد ما بين صدورها حفرت مئات المقابر،   فماذا لو حُلت تلك القيود على حين غرة، ماذا لو تحررنا أخيرًا من قمعنا القسري، من أين قد تبدأ رحلة الانتقام وبمن سنفتتح قائمة الضحايا التي إن كان لها بداية محال أن يكون لها نهاية، فالشر حين ينطلق لا تلجمه حدود ولا يحكمه عقل ولا يأخذه بأحد شفقة، كان هذا ما يدور في عقل فيلو الذي لا تهتز نظراته قيد أنملة عن وجه بتول التي تقف أمام الطبيب الذي طلبت من إدارة الفندق إحضاره لأجله بعدما رفض رفضًا قاطعًا الذهاب لأي مشفى ليخضع لفحص شامل ليتأكد من سلامة جروحه، كانت تقف بجواره بسكون يطوي بداخله صفحات العمر الذي مضى ويفتح صفحات جديدة تترقب بلهفة أن تخط فيها بيديها، التي منحتها له طوعًا كل القادم، أحداقها تهتز بحنان ورهبة يثيران مشاعره ورجولته، بينما تضم كفيها اللذين يرتجفان بشكل ملحوظ وهي ترى جروحه بعدما عرَّاها الطبيب المصدوم مما يراه فتنتفض هي مع كل لمسة من يد الطبيب لجسده كأنها تتألم عنه، كانت تهتم لأمره وتخشى عليه من الألم، كانت تتفقد ملامحه مع كل لحظة تشك فيها أنه يكتم آهاته ولا تدري أنه بعد كل نزال عنيف مع آلامه يحبها أكثر، مبالغة منه في حبها يعلم لكن ليقر في ذاته دون مراوغة أنها تستحق، مرت الدقائق دون أن يشعر بينما هو غارق في أفكاره ليجد الطبيب قد بدأ بجمع أدواته وهو يقول " كل ما فعلته مجرد إنقاذ للموقف لكن يتحتم على السيد زيارة المشفى في أقرب وقت ممكن لإعادة الفحص ولكن بشكل أدق، وهذا الدواء عليكم إحضاره فورًا والاستمرار عليه بمعدل جرعة من كافة الاقراص كل ثماني ساعات ليساعد في سرعة إلتئام الجروح، خاصة وأن الجروح تبدو ملتهبة أمامي " ناول الطبيب بتول الورقة التي دوّن بها أسماء الأدوية وحدد بها موعد الجرعات فنظرت لها بتول وقالت " هل يوجد بين هذه الأدوية مسكن للألم، أشعر به يتألم ليلًا ولا يستطيع النوم " قال الطبيب " بالطبع لقد كتبت له على مسكن قوي فما أراه مؤكد يسبب له ألم مهول " التفتت بتول تنظر لفيلو الذي يكتم ألمه عنها بإصرار بنظرة امتلأت بالعتب والتعب ثم قالت للطبيب " شكرًا لك "

أرض السيد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن