الفصل الثامن

3.1K 94 15
                                    

الفصل الثامن

ضعيني سيدتي تحت عدسة المجهر

وحللي بعمق خلايا شوقي الذي لا يقهر

انفذي إلى أبعد ما يمكنك الوصول إليه بداخلي

فعبثًا أن تجدي سوى عشقًا صامدا لم يتقهقر

دعيني أكون لمرة بين يديك مجردًا من الحواجز

واكشفي برفق عن بواطن أمري التي أبت أن تظهر

عرّي جوفي الذي دومًا ما التحف بالسُهد والوجِد

واجبريه بقسوتك العاتية أن يبوح صارخًا وأن يجهر

ضعيني سيدتي بلا خوف أو حذر أمام مرآة عينيك

واقرئي تشابُك أنسجتي الذي خط بشكل من الجنون أوعر

كوني حاسمة في أمري الذي فوضته إليكِ كاملًا

فيقيني بكِ مازال راسخًا كجبل لم يهتز ولم يكفر

اشمليني باهتمامك واتركي الكون خلفك مرة…

لتشاهدي تلك الجزيئات التي تحويك وهي بداخلي تصهر

أنت هنا وإن أبيت وإن رفضت وإن ثرت وتماديت

فلست أنا من يهاب جحيم غضبك حين يشرع

أو كالسيوف الجوارح  يشهر

ضعيني سيدتي في حيز لا يسع سوانا

ودوري في فَلكي الذي أظلم منك وتحسر

لملمي جموحي المُطلق في لين قبضتك

التي لن تمتد نحوي قبضة منها أطهر

إنهي كل هذا ودعيني أقترن وأمتزج بك

فلا أحد مني في الانتصارات العاتية أمهر

اعترفي أخيرًا أنك لست بندًا لي

وحينها ستتلاشى كل الشرور التي أضمُر

وحدك سيدة القرار سيدتي فتنحي طوعًا

وسلميني أمرك وتوجيني ملكًا حين أعبر..

༺༻

بعد خمسة أيام …

أتدركون ذلك الوقت الذي يمُر كما قطار كلما أسرع أصبحتم أنتم والكارثة على بعد خطوات، ذلك الوقت الذي تتمنون أن يطول ويمهلكم لتجدوا مخرجًا وخلاصا من ورطتكم، ذلك الوقت الذي كما لو أنه عجلة تدور وقد عقدت بها أوتارأعصابكم التي تُشد بقوة تجعلكم على حافة الانهيار، كان هذا هو الوصف الأمثل للوقت الذي يمر داخل فيلا منصور الجوهري وقد اجتمع منصور بإخوته ولا يحول بينهم وبين نهاية المدة التي أعطاهم إياها مؤيد سوى القليل، الوجوه ساهمة والقلوب منقبضة والتوتر يشمل المكان كأنه غيمة حطت رحالها، فاختيار مؤيد لعَلِي لاغيره كان صدمة كبيرة للجميع، عَلِيّ كان آخر اسم قد يخطر على بال أحدهم، فالجميع يدرك أنه ومؤيد ليسا على وفاق إطلاقًا، بل إن ما بينهما والذي لا يدركه سواهما أوصل علاقتهما لقطيعة تامة لسنوات طويلة لم تخف على أحد، والغريب بالأمر أن شاهين بكل ما يفعله لم يوصل مؤيد لهذه الحالة من الرفض القاطع، لذلك ظن الجميع أنه قد حدث بينهما أمر جلل جعل مؤيد لا يذكر عَلِيّ مطلقًا وجعل عَلِيّ يترك الوطن بأكمله منصرفًا إلى عمل خاص مستقل بعيد عن كيان آل الجوهري وبعيدًا عن صراعاتهم، دخل زكريا عليهم فوقف والده يسأله بلهفة " أليس هناك جديد، هل هاتف ابن عمك أحد الشباب، هل ركب الطائرة على الأقل …طمئني " أجابه زكريا بقلة حيلة " يا أبي لو أن لدي جديد لأخبرتك، ولأكون واضحًا معك أنا واثق أن شباب العائلة سربوا إليه سبب طلبكم عودته على وجه السرعة، فمنذ أن علموا أنك تريد تزويج تلك الدخيلة لأحدنا وهم يجعلون الأمر مصدر تسليتهم ويقيمون الرهانات فيما بينهم، وأمر طلب مؤيد لعَلِيّ انتشر بينهم كما تنتشر النيران بالهشيم " نظر منصور لعاطف وقال " كيف علمت العائلة بأمر اختيار مؤيد لعَلِيّ، لو كان نصّار موجود لقلت أنها أفعاله، لكن بالله عليك من أخبرهم " أجابه عاطف باستخفاف " أخواتك البنات جاؤوني منذ أيام ولم يتركوني حتى عرفوا، حقهم يا منصور فكل واحدة منهم خائفة من هذا النسب أن يلتصق بها " حرك منصور رأسه بحدة وقال " بدون مبررات واهية يا عاطف، هذا طبعك لن تشتريه وقد أورثته لأبنائك، تفعلون من المصائب ما يشعل النيران ولا تفكروا كيف ستطفؤها " قال عاطف بعصبية " الخبر كان سينشر عاجلًا أوآجلًا أنا فقط أردت طمأنتهم، لا تلومني على ثرثرة النساء اللاتي نشرن بها الخبر" قال منصور بغضب شديد " يكفي يا عاطف، لا أريد سماع المزيد، أنت كنت تعلم أن أخواتك لن يصمتن، أنت فعلت هذا لأن الأمر لا يروقك رغم أني وضحت لك الأسباب، وبعدما سيطرت على الصغير الطائش لا تأتيني المصائب سوى من الكبير العاقل " اتجهت الأنظار لشاهين الجالس بصمت ويبدو عليه الاسترخاء يستمع لما يدور بدون أن يحاول التدخل فوقف عاطف بغضب يقول " يحق لي أن أرفض …قاطعه منصور قائلًا " يكفي، دعنا نجد حل لهذه الكارثة وبعدها سنستمع لاعتراضك …شاكر هل تواصلت مع ابنك " رفع شاكر أنظاره لمنصور ونظر له باعتراض وقال " لا.. إنه لا يجيب عليّ، عِلِيّ سيظلم بهذه الزيجة إن تمت يا منصور، هو كان دومًا خارج حسبتنا، لقد اختار لنفسه حياة منفصلة اجتهد ليبنيها ولا يستحق أن نحطمها له، هذا طبعًا غير سر قطيعته مع مؤيد بعدما كان شريكًا له قبل وفاة ثروت، أنا خائف أن يكون مؤيد اختاره دونًا عن غيره لينتقم منه لشيء لا نعلمه " قال شاهين بصوت عميق هادئ وهو يمسك ورقة بيضاء طويلة يتشممها بعمق كأنه يريد الوصول لعمق الرائحة أو يجعلها تصل إليه " مؤيد لا يؤذي بشكل ملتوي، هذا ليس أسلوبه، ثم أقصى ما يفعله حين غضبه لا يتعدى بعض الخسائر الموجعة، لكنه أبعد ما يكون عن إيذاء النفس " قال شاكر باندفاع " من تتحدث عنه لم يعد ابن أخينا الذي تربى على أيدينا وقد مسحت عقله ابنة الشافعية " هدر به منصور " وسيحق لها أن تفعل أكثر من ذلك إذا لم يأت ابنك ليقف بجوارنا ويدعمنا لنبعد تأثير تلك الحشرة عن عقله، ونضعها بيننا حيث نستطيع إتقاء شرها وفرض سيطرتنا عليها " ضرب عاطف كفًا بكف وقال بإستغراب " وهل لو جاء وعلم ما يدور وأبدى رفضه للزيجة سنزوجه غصبًا عنه! مؤيد اختار عَلِيّ ليقينه أنه سيرفض هذا الوضع " صاح منصور " نعم سنزوجه غصبًا عنه، ليتزوجها ويعود من حيث أتى لا أطلب منه إيقاف حياته لكن وهذه الخبيثة بين قبضتنا " أسرعت عاليا تنزل السلم بخوف على صوت صراخ زوجها لتجد سيدرا تجلس على أحد الدرجات تشاهد ما يدور بالأسفل وهي تغمس قطع البسكويت في كوب ضخم من الشاي واللبن وتأكله بتلذذ فنظرت لها بشر وسألتها بصوت مكتوم " ماذا تفعلين، اصعدي إلى غرفتك وغيري ملابسكِ هذه " قالت سيدرا بانفعال وصوت مكتوم " أنا جائعة ولا أستطيع العبور للمطبخ وسط هذه المعمعة، قَدّري أني أحاول إنقاذ الموقف، ثم ما بها ملابسي إنها …قاطعتها عاليا وهي تشير لها أن تصمت وتكمل نزولها لتقترب من منصور وتضع يدها على كتفه  قائلة " منصور لا داعي للعصبية، ضغطك منذ أيام غير مستقر هذا غير معدل السكر من فضلك اهدأ " التفت إليها منصور يضع كفه فوق كفها بعفوية ويقول" أنا أحتاج مؤيد بيننا، على ضلع آل الجوهري أن يعود مكانه لأن بدونه لن نكتمل " قالت عاليا " كل شيء بالعقل يا منصور، والزواج خاصة رضا وقبول " قال شاكر مؤيدًا " أرأيت، رأي عاليا هو نفس رأيي " قال منصور بصوت رجفوا جميعًا من عنفه " هل تدركون نكبتنا في أن السوق بأكمله قد ذاع به خبر الانقسام وأصبح ابن أخي بعدما كان ينسب لي حاليًا حين يذكر اسمه يكون كمنافسي، ابني أصبح يقف أمامي كند لأننا لم نحافظ على ترابطتنا من البداية، هذا خطأنا ونحن من علينا أن نصححه " جائهم صوتًا غاب عنهم لسنوات محملًا بخيرات خفية والآن عاد ليحمل بخيبات معلنة يقول " هذا تحديدًا ما أريد قوله منذ وصلني الخبر يا عمي، هذا خطأكم وليس خطئي لذلك أنا خارج هذه الخطة " صدمة وجوده ألجمت الألسنة للحظة قبل أن يتحرك شاكر ليضم ابنه بقوة فبادله عَلِيّ الحضن بأقوى منه ثم انحنى يقبل كفه ويقول " الآن أصبح للعودة معنى، اشتقت إليك يا أبي " عاد شاكر ليضم ابنه بينما نظر منصور لعَلِيّ بغضب وقال" ما دمت عدت، لماذا جعلتنا جميعًا نتوتر ونظن أنك لن تأتي، هل تظن أنك كبرت لدرجة تجعلك تتلاعب بنا يا ولد " اقترب عَلِيّ من منصور وانحنى على رأسه مقبلًا وقال " حاشا لله يا عمي، أنتم فوق رأسي ولا أجرؤ على التلاعب بكم مطلقًا، لكني أيضًا أرفض أن يُحَدد مصيري، أنا لست فتاة جائها خاطب موافقون عليه جميعًا وسترغمونها على الزواج، أظن يا عمي أن هذا الموقف لن يحدث حتى للصغيرة سيدرا " قال عاطف بنوع من الخبث " عمك لن يغصبك على شيء يا عَلِيّ، تستطيع أن تقول أنها زيجة شكلية لا أكثر، تزوج الفتاة ونضمن وجودها بيننا ثم عد لحياتك " رفع عَلِيّ حاجبه بغضب وقال " عمي نحن لدينا فتيات وما لا نرضاه لهن لا نرضاه لغيرهن، أليس هذا ما تربينا عليه، ثم لو كان الأمر كذلك شاهين موجود فهو يجيد هذا النوع من ….ماذا أقول؟؟ امم اللعب الغير شريف " انفعل شاهين قائلًا " لا تزج باسمي داخل هذا الحديث يا عَلِيّ، أم أن غيرتك أن مؤيد لم يقاطعني تمامًا كما فعل معك ستطفو إلى السطح، لقد أخبرتك مئة مرة أنه لم يفصح لي عن سبب خلافكما بل أنه لا يذكر اسمك حتى، يتعامل مع وجودك كأنه لم يكن " كانت تلك الكلمات كفيلة بأن تفجر آخر رمق في سيطرة عَلِيّ لينفجر في وجه الجميع قائلًا " حسنًا، إذا فلتعلموا جميعًا أن أي شيء يجمع بيني وبين مؤيد مرفوض تمامًا، وهذا الحديث ليس لكم فقط ولكن له هو شخصيًا وسأبلغه إياه بنفسي " تحرك عَلِيّ نحو الباب فأسرع خلفه شاهين الذي يقول " توقف هنا، إلى أين أنت ذاهب " لكن عَلِيّ لم يتوقف فتحرك خلفه أبوه وأعمامه وشاهين يصرخ به " أنت .. أتحدث معك، توقف حالًا " ليقفوا جميعا حين ظهر آصف على الباب يرتدي بذلة شبابية شديدة الأناقة ويحمل باقة فاخرة من الورد وخلفه زين شهدان الذي يحمل علبة هدايا قيمة ويقول " السلام عليكم، الجميع هنا هذا جيد " تجهم وجه شاهين وقطب حاجبيه وهو يقف أمامه مباشرة ويسأله بمنتهى الغلظة " ماذا تفعل هنا " قال آصف موجهًا حديثه لمنصور متجاهلًا شاهين تمامًا " عذرًا على القدوم دون موعد عمي لكنّي أحاول التواصل مع شاهين منذ خمسة أيام ولكنه لا يجيب،  يبدو مشغولًا بأمر هام " قال منصور الذي لم يكن صافي الذهن فلم يركز في الهيئة الواقفة أمامه " المنزل منزلك يا آصف تأتي في أي وقت تفضل، كيف حالك وحال السيد عبد الله أتمنى أن يكون بخير حال " ابتسم آصف ببرود واتساع وقال " في الحقيقة جدي في الخارج بالسيارة هو وعز ، لقد جئنا جميعًا لنجلس معًا جلسة ودية بسيطة أطلب بها يد الآنسة سيدرا بشكل مبدئي لكن طبعًا الخطبة ستحضرها العائلة كاملة، سأستدعي والدي واعمامي للعودة اليوم بإذن الله " صدم منصور من الموقف لكنه استدرك الوضع وهو يقول " كيف تترك السيد عبدالله بالخارج، هذا لا يصح أبدًا تفضل بالدخول ونحن سنخرج لاستقباله " أسرع منصور وشاكر وعاطف للخارج فيما وجد عَلِيّ زين يناوله علبة الهدايا وقد حكمه الموقف لذلك أجّل أمر ذهابه إلى مؤيد حتى تنتهي تلك الزيارة ويستطيع المغادرة دون أن يسبب لعائلته الحرج أمام عائلة بحجم عائلة شهدان، ربما هو غاضب ولكن غضبه قد يقف أمام حائط الأصول كما وقف بالماضي صاغرًا.༺༻

أرض السيد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن