الفصل الخامس والثلاثون ج٢

2.5K 103 54
                                    

سنظل نرى أنفسنا لا نختلف في شيء عن سائر البشر حتى نقع في الحب ونسلم له، حينها فقط ستصبح جميع الفروق الضئيلة جلية، سيكون للاختلاف معنى يتعدى معناه الذي هو عليه، كما لو أن شمس المشاعر التي أشرقت بأحداقنا جاءت

بنورها لتضيء ظلام وعينا المحدود بدواخلنا لنعترف بعد عمر طويل لانكاد نصدق أنه مر بنا أننا دون إرادة منا كنا نبحث عن الحب في كل شيء حولنا، كنا نسعى لإيجاده دون توقف كنا متعطشين إليه نكتم ظمأنا الشديد بشق الأنفس ونمضي في غمار الحياة على أمل أن تضربنا سيول العشق الجارفة على حين غرة وتروي فينا كل ما يبثه الانتظار الشاق، وكل ما أنهكته التجارب المؤلمة، كما لو أن الحب سيأتي باجتياحه الأبي ليمر بكل وريد وشريان حاملًا معه من الحياة ما لم نتوقع مطلقًا أن نمتليء به، سعادة ....وانفعالات مفرطة الجنون ...ومنطق وواقعية لا يمسان للمنطق والواقع بصلة، وفوضى في منتهى اللذة، انجراف غير محمود العواقب لكنه آمن كما لو أنه رحم جديد يستقبلنا بعدما لفظتنا أرحام أمهاتنا والتي كانت آخر عهدنا بالحنان والاحتواء، حين نحب سنفقد هويتنا لا محالة لأن للعشق هوية ستكشف عن نفسها في أحداقنا مهما حاولنا التكتم على الأمر، وها هو سلطان العطار يجلس بكامل قوته وهيبته وبأسه ما بين الرجال محاولًا أن يواري انتفاضة جسده الذي كأنه يعيش

تبعات صدمة عقله الذي مازال لا يستوعب هول تلك اللحظة التي هو على مشارفها، كان غارقًا في لجة من الأحاسيس التي تتدافع في صدره كأنما كلا منها على عجل لينال منه أولًا بينما يسمع الشيخ الرفاعي يقول بصوته الوقور " إن في الزواج تيسير في الأمور وتوفيق من الله للعبد في كافة نواحي حياته، والزوجة الصالحة رزق وسكن وصلاح بالدنيا ونعيم بالآخرة، وقال الله تعالى " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" ويقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام" اذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتّق الله في النصف الآخر " لذلك نحن هنا اليوم جمعتنا محبتنا لهذا الشاب الذي يعد ابن بار وأخ داعم وصديق وَفِي وجار محافظ لكل منا لنشاركه تلك اللحظة السعيدة التي سيعقد فيها قرانه على ابنة الشيخ إسماعيل العطار، ابنة الأصول التي سيتقي الله فيها ويكن لها نعم الزوج بإذن الله " ثم نظر للمأذون وقال " دعنا لا نؤجل الخير أكثر يا شيخ، لنبدأ بعقد القران " قال المأذون " توكلنا على الله...أين وكيل العروس

والشهود " نظر سلطان لطاهر الذي كان يقف بجوار بشر وعلِيّ بتوتر يترقبون وصول مؤيد الذي حاولوا بكل الطرق الوصول إليه ودفعه للحضور ليقول الشيخ رفاعي وهو ينظر لأيوب " أين مؤيد لا أراه " تحرك أيوب إتجاه طاهر يسأله بتوتر فغياب مؤيد بات ملحوظًا " أين مؤيد، لمَ لم يصل حتى الآن، جدي لن يطلب يد ملاك علانية إلا في حضور ثلاثتكم، ألم تخبره بذلك " قال له طاهرو" بشر أخبره بذلك وأكثر لكنه اليوم لم يكن بحالة جيدة، وأخشى ألا يستطيع الحضور " قال بشر " لقد أكد لي أنه سيأتي، لننتظر قليلًا فقط " تجهمت ملامح علِيّ والتزم الصمت بينما يلمح بطرف عينيه كنزي التي تقف بالنافذة المطلة على هذا التجمع وهي تبكي دون توقف قلقلًا من غياب أخيها وقهرًا عليه، اقترب منهم شاهين يقول بقلق " هل يعرف أحدكم لمَ هاتفه مغلق، هل أكد عليكم أنه سيأتي " تنهد بشر بإرهاق وقال " هذا ما قاله بالفعل " بدأ المأذون بتسجيل البيانات والموقف يزداد توتر جعل ليل الذي اقترب منهم يقول " إذا تأخر مؤيد أكثر فليشهد أحد منا على العقد لكي لا نفسد ليلة الرجل وبعدها يضع الله للأمر حلًا من عنده " لاح الرفض على وجوههم رغم أنه بات الحل الوحيد لديهم ليخرج طاهر بطاقته الشخصية ويقول " معك حق دعنا لا نكسر فرحة سلطان، إنقاذ الموقف حاليًا أفضل من لا شيء " همّ طاهر بالتحرك ليشعر بكف تحط على كتفه لتمنعه من الحركة وصوت أيوب يقول وهو يتنفس الصعداء " لقد وصل " التفت عيونهم جميعًا نحوه يتأملون خطاه الثابتة التي تقترب بتؤده، بعكس ملامحه المرهقة التي اشتدت بها خطوط العمر الدقيقة حول عينيه فزادت من اهتزاز نظراته عجز وجهه كما لو أن ثواني زمنه تمر عليه كسنوات، اندفع عمر تجاه أخيه يسأله بريبة " مؤيد ما الذي يحدث معك، لمَ أنت مختفي وهاتفك مغلق ولا أحد يعرف عنك شيء حتى أنا " ضم مؤيد أخيه بقوة وقال بإقتضاب موجع " أنا بخير " دخول مؤيد جعل وصلة ممتدة من الترحيب به تبدأ ما بين ذلك العدد المهول من الرجال ليعود عَلِيّ ويرفع عينيه نحو كنزي التي كانت مازالت تبكي ولكن هذه المرة كانت متأثرة برؤيته سعيدة بحضوره، تحرك مؤيد حتى وصل للشيخ رفاعي وقال " عذرًا منك ومن الرجال على التأخير " قال له الشيخ رفاعي " عذرك معك يا بني، لم تكن فرحة سلطان وفرحة أيوب لتتم دون حضورك "

أرض السيد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن