الفصل الاخير ج2

514 18 1
                                    

الفصل الاخير
الجزء الثاني
صرخ صلاح بغضب واهتياج: "كيف تسمحوا لذلك الكلب ان يدخل ويطالب بها؟ لو كنت هنا لكسرت انفه وقدميه واخرجته زحفا .... اسمح لي يا عمي اخبرك انك متهاون ومتسامح الى درجة تكلمت معه وكأنه بشر .... مع انه حيوان ولن ينفع معه سوى القسوة والطرد"
هبطت زينة السلم ببطء وضاقت عينيها وهي تسمع كلما دار في الأسفل عن مجيء محمد ....
سهير وبنبرة اقناع: "اهدأ يا صلاح زينة لم تقابله ابدا أساسا لم نخبرها كي لا يؤثر بها و"
زينة وبحدة ووجه جامد: "يؤثر بمن؟ انا أساسا لا اريد ان اقابله .... ارجوكم توقفوا عن الكلام عنه .... لا أحب سيرته"
التمعت عيني صلاح ببريق متألق وتطلع بسهير التي لم تقاوم نظرة الزهو والانتصار التي بانت على محياها وتطلع بهجت بها بعمق ولاحظ الاحمرار الذي غزا وجنتيها بشدة وأدرك انفعالها الكبير وقال لها بجدية: "سنباشر اذن بإجراءات الطلاق من غدا"
لم تعلق على الامر ولم تظهر ردة فعلها لكنها اتجهت الى صلاح وسرعان ما تغيرت تعابيرهم جميعا عندما قالت بتحدي وقوة: "ولا رؤيتك اطيقها .... انت وهو سيان عندي الان لا اريد ان اراك هنا"
تطلع بها صلاح بوجه بارد التعابير وكأنه لا يتأثر بشيء وكأنه بلا دم!
.................................................. ...........................................
في اليوم التالي فوجئت ساهرة التي تهيأت واستعدت للذهاب الى بيت اهل زينة بقدوم ضيوف .... انه عماد وأهله مجددا!
رفع محمد الذي كان مستلقيا في سريره بصره عندما قالت له ساهرة عنهم واعتدل ثم ازاح الغطاء عن جسده ونهض باحتجاج وقبل ان ينطق مثلت صورة زينة امامه: "رباب امانة تركها والدك في عنقك .... لماذا تكسر قلبها .... الحب ليس عار .... ليس لك الحق لا تستحلي الظلم ولا تأخذك العزة بالإثم"
رفع عماد بصره عندما دخل عليهم محمد واستغرب شكله المتعب وذقنه الاشعث ونظرته المبهمة ونهض ببطء معتقدا انه جاء ليطردهم بينما حدث العكس تماما اذ امتلأ البيت بالزغاريد بعد كلام محمد معهم ....
اطبقت رباب كفيها والصقتهما بفمها وهي تهمس: "الحمد لله .... الحمد لله .... وفقك الله يا اخي فقد فرجت كربي .... الله يفرج همك"
هزت ساهرة رأسها وقالت مع نفسها: "رضي الله عنك يا ابني وازال ضيق صدرك"
وعاهدت نفسها ان تفعل ما بوسعها لترد زوجته الى حضنه ولو على حساب كرامتها.
.................................................. .....................................
في اليوم التالي اخذت ساهرة العنوان من رباب وذهبت دون ان تخبر محمد لانها ارادت ان تفاجئه لكن الذي حصل لم يسر أحدا
اذ ان المفاجئة الغير متوقعة التي حصلت لساهرة موقف سهير!
انها قليلة الأصل بالفعل هذا ما شعرت به ساهرة عندما طردتها سهير من الباب ولم تسمح لها برؤية زينة وهتفت بقهر: "هذا جزاء التي فتحت لك بابها ولم تحرمك من رؤية بنتك؟ على الأقل احترمي سني وأحسني استقبال الضيف لكن يبدو انك بلا ادب وفعلا امرأة مغرورة ومتعجرفة لا تنسي ان زينة مازالت بعصمة محمد ومن حقي رؤيتها"
سهير وباحتقار: "اغربي ايتها الحثالة لا اريدك ان توسخي عقل ابنتي بأكاذيبك ووعودك الزائفة .... اغربي لم ينقصني الا هذه الاشكال القذرة"
عادت ساهرة خائبة ومهضومة والعبرة تخنقها لكنها لم تخبر محمد كي لا تجرح كرامته وتحمله فوق طاقته.
اثناء حفل عقد قرآن رباب وعماد ابتعد محمد عن الأجواء السعيدة والضحكات والتصفيق ووضع يده على صدره وهو يشعر بالضيق والاختناق .... لقد بلغ به الشوق لرؤية حبيبته التي طال غيابها ولم يتقبل فكرة الطلاق ابدا وتأمل ان يحن قلبها عليه وتوافق على العودة الى حضنه.... كم هو مشتاق لرائحتها لعيونها الجميلة لشعرها لعناقها لشفتيها .... انه يختنق وقد نفذ صبره وقابليته ووجد نفسه يستقل سيارته ويغادر متجها الى منزل زينة!
وصل إليهم لكن هذه المرة فوجئت به سهير وهو يتضرع اليها لرؤية زينة وقد تنازل عن كبره القديم وبدى بمنتهى المرونة حتى انها لوهلة شعرت بالشفقة نحوه لكن هذا لم يمنعها من ان تطرده مرة أخرى .... لم يكن بهجت موجود ولم يستجيب محمد لطردها له اذ بقي يتوسل اليها حتى نهضت زينة من الارجوحة الصغيرة التي في الشرفة وخفقت اهدابها كجنحي طير ذبيح عندما سمعت صوته ووضعت كلتا يديها على وجهها.
سهير وبانفعال: "ماذا تريد منها يا مخبول؟ زينة كرهتك تماما ولم تعد ترغب برؤية وجهك"
هو وبإلحاح: "اريد ان اسمع ذلك منها .... انا لا اصدق حتى أرى بعيني واسمع بأذني .... ربما انتم تضغطون عليها وهي تريد ان"
وبهتت تعابيره وضاقت عيون سهير عندما ظهرت لهما زينة!
ابتلع محمد ريقه وهو يتأملها .... بدت غريبة مختلفة .... ليست هي زينة التي يعهدها ...
اقترب منها جدا وقال بتمعن ويديه ترتجفان وعيونه تتنقل بملامح عينيها وشفتيها وبهمس: "زينة! .... حبيبتي"
لم يتغير شيء بتعابيرها وبقيت جامدة وهي تتطلع بعيونه الذابلة وقد استحضرت بهذه اللحظات مشاهد الضرب وفقدانها للجنين مما جعلها تصر على اسنانها وتقول بغيظ: "تريد ان تسمع مني يا محمد؟ .... لم اعد احبك .... لم اعد ارغب برؤيتك .... لم اعد اطيقك .... انا اكرهك انت بالنسبة لي الكابوس بعينه"
ابتعدت سهير ببطء ودخلت الى المطبخ وطلبت صلاح وقلبها ممتلأ بالقلق من إمكانية تأثيره على زينة بشكل او بأخر!
أصبحت عيني محمد حمراوين كجمرتين ملتهبتين وهي تواجهه بهذه الكلمات القاسية على قلبه وهز رأسه وهمس بخيبة واحباط: "زينة! .... من اجل الحب من اجل السنوات الماضية من اجل كل شيء جميل جمعنا يوما ما حاولي ان تتقبليني من جديد .... انا اعشقك يا حبيبتي ولم اعد قادر على فراقك .... اعدك ... اعدك انني سأتغير .... سأكون انسان اخر .... سأسعدك بكل ما املك من شوق ومحبة بداخلي.... لا تحرميني منك يا زينة لا تحرميني من الحياة"
سيطرت على ارتجاف شفتيها وربطت على قلبها واستجمعت قواها المبعثرة وبالكاد خرج صوتها وهي تقول بنبرة مخنوقة: "فات الأوان .... نسيت ذلك الحب يا محمد لم يعد له اثر لقد محوته .... لم اعد أتذكر سوى الأذى .... سوى العنف .... العنف اذهب الحب الحزن اذهب التسامح .... المحبة ذهبت مع الجراح العميقة التي سببتها لي وحرصت على شفائها اليوم"
عندما هوى اليها ليلمسها اشارت له بيدها قائلة بوجه صارم: "اياك .... لا تقترب"
لم يتقبل الامر وجذبها وهو يشعر بعطش شفتيه الى شفتيها وعندما همم بتقبيلها قال صلاح بحدة: "ماذا تفعل يا مجنون؟"
تراجعت زينة ووضعت اناملها المرتعشة على فمها واسدلت اهدابها
صلاح وبوجه صارم: "اخرج من هنا .... اخرج لو لديك ذرة كرامة او رجولة"
انكسر قلب محمد جدا وهو يتطلع بها وهي مستسلمة هكذا وتراجع مبتعدا عنها عندما قالت بنبرة قاسية: "اخرج يا محمد"
وبسرعة هرولت متجهة الى السلم وصعدت بسرعة شديدة.
سار خطوات بطيئة حتى وصل الى صلاح ووقف وتطلع به عندما قال له بصوت خافت: "اياك وان تكرر تلك الحماقة يا .... وسخ"
كان صوت الصفعة التي تلقاها صلاح على وجهه مفزعا لسهير التي لطمت خدها!
بينما صلاح اتسعت عينيه على اشدهما وكأن خنجر شق قلبه وصدره نصفين ورفع يده بسرعة لكنه لم يفعل شيء وهو يتطلع بعيني محمد المشتعلتين وانما ابتسم بالتدريج وغادر محمد البيت متظاهرا بالقوة والتماسك بينما هو ينهار خطوة بخطوة وكأنه يريد ان يقع على وجهه.
تمسكت زينة بصدرها وحاولت تمالك أنفاسها المسموعة واعصابها حتى انفجرت باكية بصوت مرتفع وكأن هذا هو حدها بالتماسك والتظاهر!
ركضت سهير مسرعة على الدرج وهي تهتف: "زينة!"
استدار صلاح الى الناحية الأخرى وتلاشت ابتسامته ليحل محلها غيظ خطير وصرر على اسنانه بقوة .... مردودة .... مردودة يا محمد!
وضعت سهير يدها على فمها وهي تتطلع بزينة التي نزلت الى الأرض جاثية وهي تشهق بالبكاء حتى رفعت بصرها الى أمها وهتفت باستسلام: "ما زلت احبه ..... ما زلت احبه يا امي .... ما زلت احبه"
نزلت دموع سهير واقتربت ببطء من زينة التي تشبثت بأطراف ثيابها وهي تهتف بتضرع: "قولي لي ما العمل؟ ماذا افعل؟ اقتلوا قلبي .... اقتلوا قلبي كي يتوقف عن النبض .... لا أقدر يا امي لا أقدر ان اتوقف عن حبه أطلقوا رصاصة الرحمة على قلبي ارجوكم"
نزلت اليها سهير وضممتها بقوة .... ظننتك صادقة يا زينة توهمت إنك فعلا كرهته فقد كنت متماسكة كل تلك الأيام التي مضت لم اعلم إنك كنت تموتين ببطء .... ما بيدي حيلة يا ابنتي لا أقدر ان اساعدك .... اسفة.
.................................................. .................
بحلول الليل انتفض محمد من فراشه وغير ملابسه ونزل ....
لحقت به ساهرة قائلة بقلق: "محمد! الى اين؟"
التفت اليها ولف الشماغ حول عنقه وقال بهدوء: "الى العمل .... يجب ان اخرج لأنني لم اعد احتمل ان انفرد مع نفسي .... انا مختنق يا امي وأريد ان افعل أي شيء يلهيني وينسيني"
ساهرة وباعتراض: "لا اراك بخير .... نام يا محمد ولا تخرج الليلة .... راحتك اهم .... العمل ينتظر .... تعال واجلس معي نتكلم قليلا"
لم يستجيب لها وقال وهو يبتعد: "اريد ان اشغل نفسي .... اتركيني ارجوك"
هتفت خلفه: "محمد ......... محمد"
دخل بهجت الى غرفة زينة ووجدها تسند جانب وجهها على الوسادة وجلس خلفها وهي مستلقية هكذا وقال بصوت خافت: "اخبرتني امك انك لست على ما يرام .... رؤيتك لمحمد دفعتك للانفجار .... ما الامر يا زينة؟ عندما هممت بإجراءات الطلاق اوقفتني وطلبت مني ان اترك الامر وان نطالب بالطلاق بشكل ودي بدون محكمة ولا دعوة قلت لا بأس .... لكن اليوم اعترافك الصريح بعدم قدرتك على نسيان محمد ما معناه؟"
هي وبهمس دون ان تتحرك: "معناه انني لا اعرف ان اكذب طويلا .... انها الحقيقة"
.................................................. .......................................
خرج محمد من الكراج بالشاحنة الكبيرة وباشر القيادة في الطريق السريع المظلم وسخر من نفسه كيف ضيع أحلى أيام العمر عندما كانت زينة تنتظره في البيت ملهوفة لعودته وهو لم يأبه لها ولانتظارها! أصبحت الان بالنسبة له مثل تلك الأيام حسرات وامنيات .... لولا حماقاته لأصبحت لديه أجمل عائلة صغيرة بالمستقبل تنتظر عودته ... زوجة حبيبة وطفل كالملاك .... لكنه ضيع كل شيء بتهوره واوهامه السقيمة ... لم يعد الندم ينفع ....
وسحب نفسا عميقا وهو يتذكر كلامها الأخير معه ونظراتها الحادة التي تعلن نفورها منه .... لم اعد ارغب بك .... لم اعد احبك .... فات الأوان .... نسيت ذلك الحب يا محمد لم يعد له اثر لقد محوته .... لم اعد أتذكر سوى الأذى .... سوى العنف .... العنف اذهب الحب الحزن اذهب التسامح .... المحبة ذهبت مع الجراح العميقة التي سببتها لي
ظهرت دموعه وهو يستذكر ذلك اللقاء حتى حجبت عنه الرؤية وبالكاد يتطلع بالطريق امامه وكان يقود بسرعة عالية ....
ما الامر! .... كأنه لم يرى بوضوح! كأن مصباح كبير قد تسلط على وجهه وحجبه عن رؤية الطريق؟
شغل المصابيح على اعلى قوة ومازال انعكاس ضوء يربك قيادته!
ما هذا الذي امامه؟ لم يعد قادر على التخفيف السريع كأن امامه كتلة سوداء كبيرة غريبة!
وعندما اقترب ظهرت بصورة أوضح حتى ضغط على المكابح بقوة محدثا ضجة وقد أخلت محاولة الوقوف المفاجئ المرتبكة بحجم الشاحنة الهائل مما جعلها تصطدم بالجسم الكبير الغير متوقع وجوده بهذا المكان حتى فقد قدرته على القيادة وانقلبت به الشاحنة محدثة حادث مروع على الخط السريع!
اعتدلت ساهرة بسرعة وهي تهتف بالظلام: "كوثر.... كوثر .... اريد ماء .... ماء .... قلبي يطرق لا اعرف ما بي؟"
شغلت كوثر المصباح وناولتها الماء قائلة: "خير ان شاء الله"
.................................................. .....................................
هرولت زينة على السلم حافية القدمين وبقميص نومها الخفيف واتجهت الى بهجت الذي كان ساهرا في الصالة يقرأ كتاب وكانت تمسك صدرها وتردد: "صدري مقبوض يا ابي .... لست بخير .... ضمني ارجوك"
امتلأ الشارع بسيارات الإسعاف والاطفاء والناس وقنوات تصور الحادث وعبارات هاتفة: لا حول ولا قوة الا بالله"
"الى رحمة الله"
"مازال السائق شابا الله يصبر اهله على المصاب"
.................................................. ...........................................
عندما فتح باب الغرفة عليها دست الصورة البالية بمنتصف الدفتر واخفته خلفها تحت وسادة المقعد وابتسمت ببهوت له وهو يقول بدهشة وتأنيب: "اين انت؟ ماذا تفعلين هنا؟ كنا ننتظرك على طاولة الطعام كل الوقت .... ابنك ينادي عليك"
نهضت زينة ومررت يدها المزينة بخاتم الماس على صدرها المضطرب الانفاس لانها كانت تخوض بالذكريات القديمة ككل يوم في هذا الوقت تنغمس بجزء من مذكراتها التي خطتها في ذلك الدفتر الضخم الذي يضم صورة عزيزة على قلبها من الماضي وقد حفرت قلبها برسمها بحيث بقيت ذكرى لا تمحيها الأيام والسنين .... محمد.
عندما غادرت الغرفة اقترب صلاح ببطء وازال الوسادة من المقعد وتطلع بالدفتر وابتسم باستخفاف ثم رمى الوسادة عليه ومضى لكنه سرعان ما عاد وتناول الدفتر واتجه به الى الموقد والقى به لتلتهمه النيران!
اتجهت الى الطاولة المزينة بأشهى الأصناف وتطلعت بعيني ابنها البالغ خمسة أعوام الذي كان يتطلع اليها ببراءة وابتسمت له قائلة برقة: "ها انا اتيت"
انضم صلاح اليهما وعلى شفتيه ابتسامة عريضة وتناول شيء من الاناء بيده وقربه من فمها لتأكل من يده التي لم تعلم يوما انها قاتلة!
تمت

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 15, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رواية تحت مسمى الحب لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن