~ هجر الماضي ومملكته ~

39 2 0
                                    


المستقبل لم يكن رحيمًا بهم، جدران الماضي بأوجاعه تحاوطهم، تحادثهم في الجروح مع كل ثانية؛ لأنهم في المملكة، أريستارخوس قائد جيشها وزوجته قاضيتها، انترانيك ملكها وزوجته ملكتها، فلم يوجد مفر للهرب، انصاعوا أمام الواقع، محتملين الشدائد لأنهم معًا، فقط لأنهم معًا.

ماثيوس آثاره باقية على زوايا القصر، وحتى إزالة الألوان لم يكن لها معنى في محي تلك الذكريات.

كالعادة، تشاجرت إريكا مع أحد حرس القصر وهي تدلف مُعلقة سكينها على خصرها، سكين صداقتها مع الملك، وفي يدها خيوط بها حرفٌ يونانيٌ قد تم نحته خصيصًا لها،
أما الحرس يعارضونها مُصّرين على عدم دخولها بدون أمر ملكي، فواجهوا نتائج ما فعلوه..

عَلت نبرته من وراءها:
«يدكَ يا فتى»
نظر المَدعوّ إلى الداعي فأبعد يده من أمام إريكا بسرعة ورجفة، وأحنى رأسه بخفة:
«قائد»
فابتسمت هي بسخرية وملل من ما يحدث، اختفوا جميعًا من حولها ولم يبق سواه،
هذا الرجل ذو الأسوار السوداء حول أشجاره، التي اخترقتها وسكنت بين الأغصان تحتمي بها من العالم، ذو السيف الغير تقليدي، المرتدي سوار مشابهًا للخيط خاصتها لكنه بحرف أجنبي حيث نشأنتها وموطنها.
كلٍ منهما يحتفظ بالآخر معه في طريقه.

نظرت له بدرامية وهي تتصنع اللطافة الواهنة في الحديث:
«أيا المنقذ الخارق، فلتنقذني من حبال الحرس»
نظر لها بمتعة، لطالما أحبت السخرية من إنقاذه لها؛ لأنها كما اعتادها مسؤولة وتعرف طريقها حق المعرفة، لكن لا تخجل من إظهار الاحتياج في وقت الشدة.

دلفا إلى القصر ولم يكن به روح القرية، كان منظمًا حتى الاختناق، قوانين كثيرة بشتى ثناياه،

سأل نيكوس على مكان انترانيك فكانت الاجابة أنه في مكتبه الضخم، ذهبوا إليه ومكثت إريكا تصنع فوضى على الباب قبل الدخول كأنها تقول أنها هنا،
دخلت بابتسامة واسعة وهي تفتعل حركة بكفوف أيديهم هي وانترانيك، وزوجها صافحه وعانقه، بعد قليل استأذنت منهما وذهبت لتلتقي ببيرلا في الجناح الملكي.

تصعد الدرج الطويل بصعوبة، برغم زينته ولمعان حوافه لكنه لم يكن سهلاً مثل السطوح، حقًا المقارنات تأكل وعيها.

«جلالتكِ»
قالتها وهي تضحك على مظهر بيرلا المزري، التي ترتدي فستان يخنقها وتجلس منكبّة أمام أوراق عديدة لا تُحصى.
«إريكا؟»
أدركت رفيقة دربها من نبرتها، التفتت ونظرت لها حيث تقف، مازالت بحالة كارثية مع ملابسها الواسعة الجميلة عليها، ركضت كي تحتضنها باشتياق، ثم جلسوا يتحاكون في وسط الأعمال المتراكمة.

«أنا أنفاسي تخذلني هنا إريكا، تملؤ وجدانهم الكراهية، أنظارهم حاقدة ومليئة بالعبث»
ابتسمت الأخرى على ما قيل؛ فهي قد شرحت ما يكون بداخل قلبها من اختناق يحتضنها عندما تأتي للقصر، حيث مقر الأحزان التي دمرت حياتهم منذ أعوام.
وافقتها الأخرى برأسها ثم سألت بصوت خافت:
«ليت الملك يعزل نفسه لنعود جميعًا معًا»
تنهدتن بارهاق من التفكير، ثم أعادوا التركيز على الأوراق الغير مفهومة.

أريستارخوس | Aristarchusحيث تعيش القصص. اكتشف الآن