المقدمة

10.4K 245 25
                                    

يقول علماء الألوان أن الأبيض رمز للسلام و السكينة، لكن الوضع هنا يختلف، ففي تلك المشفى تشعر و كأن الأبيض يقبض الروح و يعثو التوتر في أنحاء الجسد، يجعل قدما هذا الرجل تهتزان و رأسه منحنٍ لأسفل مغطيًا إياه بين راحتيه.

ما هي إلا لحظات حتى رفع رأسه لتظهر تلك الدموع التي كان يُغطيها، فهو لا يحب أن يبكي أمام تلك الحياة التي تتلذذ بضربه بالسوط حتى أدمت ظهره و ملاءت جسده جروحًا، كفكف الدموع من عينيه ليترجل من مقعده و يتقدم بخطواتٍ متهدلة أوصلته إلى غرفة العناية المركزة ليرى صغيره المتمدد على الفراش لا حول له و لا قوة، يراه موٌصل بالأجهزة و جسده مُغطى بملاءة منعته من الإطمئنان على فلذة كبده جيدًا، أطال النظر إلى جسده الصغير بدموع متحجرة على مقلتيه منعها من الهطول على وجنتيه، يلعن هذه الحياة التي تختبره في أكثر ما يمثل له أهمية في تلك الدنيا، فلا شيء أصعب من رؤية قطعة منك تتعذب أمامك و أنت واقف مكتوف الأيدي.

قطع شروده ربتة على الظهر تبعها صوتُ متحضر يخص أحد الأطباء :

 - سيد أدريان ...

التفت أدريان ليرمق الطبيب و ينصت جيدًا إلى ما يقول :

 - يؤسفني أن أخبرك أننا إضطررنا لبتر أطرافه ... فالمرض قد تملك منه و إذا لم نفعل هذا كنا سنخسره للأبد

ظهرت لمحة الحزن و الأسف على كلمات الطبيب، واجه أدريان تلك الكلمات بهدوءٍ مجحفٍ يتقبل معه تلك الحقيقة بنفس راضية، أو هكذا إصطنع أمام هذا الطبيب، فبداخله يرغب في الفتك بذاك الطبيب ثم إحراق تلك المشفى التي فشلت بمعالجة صغيره، إلى أنه فكر في شيءٍ أخر قد يضحى أفضل من كل هذا ..

دلف حجرة صغيره ليقترب منه و يجلس على ركبتيه ليضحى قبالته، وجد دموع صغيره تهطل على وجنتيه الصغيرة بألم جعل قلبه ينفطر.

 - أبي .. أين قدماي يا أبي ؟ .. أين ذراعي ؟.. ماذا حدث لي ؟.. أبي أنا لن أستطيع أن أواصل حياتي بدونهم ..

إرتفعت شهقات الصغير بألمٍ و هو يراقب حالته التي أضحى عليها و هو لا يزال في بداية عُمره، كيف سيلهو مع أصدقاءه دون أن يمتلك قدماه ؟ كيف سيواصل حياته بدون يداه ؟ ماذا سيفعل بذاك الجسد الذي أصبح بلا فائدة بدون أقدامه و ذراعيه ؟؟

وضع أدريان يده على وجنتي صغيره  يُكفكف دموعه و يُخبره :

 - أشش ... توقف عن البكاء أرجوك ... أعدِك أن كل شيءٍ سيعود كما كان أو حتى أفضل

عارضه الصغير الذي يُدعى جايمس بحدة :

 - لا تخدعني، أنا لا أستطيع أن أواصل حياتي بأطرافٍ صناعية ... أنا أريد أن ألهو مع أصدقائي كما كنت أفعل ...

واصل البكاء مجددًا و مع كل قطرة دموع تُذرف من عينيه يزداد والده وجعًا و ضيقًا من أجله، بل و يزداد حقدًا على تلك الحياة اللعينة التي أقسم على مواجهتها، إحتد صوته و هو يخبر جايمس بلكنة الإصرار و التحدي :

أرواح متنقلة ( مُكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن