الفصل الخامس و العشرون ( دمــــار )

674 80 2
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

" اللهم مُستقبلًا أعظم مما حلمت، و حياة ألطف مما أردت .. اللهم توفيقًا و رضًا و حُبًا و خيرًا "

_____________________

أيتها الدموع اللعينة، لما تتعمدين الانطلاق في الأوقات التي أمُثل فيها أنني الجدار الذي لن ينهدم مهما كانت الأوجاع، و لما تخشين التحرر من تلك المحاجر عندما تأتيني الرغبة في الاستسلام للمشاق، فحتى  أبسط حقوقي و هي البكاء لا يُمكنني التحكم بها ...

توقف الزمن عند هذه اللحظة، فكأن العالم توقف عن الدوران و هو جالس مكانه يخشى أن يتحرك مجددًا حتى لا يُدمر ما حوله، فالنيران بداخله كانت كفيلة بإحراق بلدة بأكملها...

بقي جالسًا مكانه و شريط من الذكريات يمُر أمام عينيه مُنذ نعومة أظافره حتى هذه اللحظة ... حياة هادئة سعيدة مليئة بالدفء و الراحة ... لكنها كانت راحة مُزيفة، بل و حياة مُزيفة أيضًا ..

كم هو صعب أن تكتشف في وهلة أن الواقع الذي تعيشه ما هو إلا أكذوبة كبيرة، أو مسرحية يتم تمثيلها بحرفية حتى  ظن المُتفرج أنها حقيقية، لكنه ينصدم ما إن يُغلق السِتار و يُرغم على العودة إلى الواقع، يُرغم على ترك حُلمه الوردي ليهبط على عالمٍ يمتطيه الكذب و الخِداع، فكلهم خائنون ... كُلهم مُخادعون...

كان هذا ما يدور بذهنه قبل أن يترك المقعد بعُنفوانٍ دفع معه الطاولة بحدة ليتحرك بعدها خارج الحجرة بأكملها..

لاح الذهول على ملامحها و هي تتابع ردة فعله بشفقة تجعلها تتصلب مكانها و لا تدري ما الذي تقوله، فقط أرادت أن تُكذب ما يقوله و تُخبره أنه ربما يخدعهما و أن التنويم المغناطيسي لم ينجح معه من الأساس، لكنها تعود و تُذكر نفسها أنها لا يجب أن تخدعه كما خدعه البقية، فأسوأ ما يُصيب المرء هو التعرض للخداع خاصة من أقرب الناس إليك .

تركت مقعدها هي الأخرى لتركض وراءه بين أروقة مركز الشُرطة تحاول أن تناديه بصوتٍ مُرتفع لكنه لا ينتبه إليها و كأنها لا تتحدث من الأساس...

- لؤي استني ...

قالتها بنفاد صبرٍ ما إن توقفت أمام سيارته لتمنعه من استقلالها و المضي إلى وجهة ربما لا تعرفها لكنها مُتيقنة أن نهاية طريقه لن يضحى جيدًا..

صوٌبت حدقتيها على عينيه الحمراوين التي جاهدت كي تحبس الدموع داخلها، يبدو أنها كانت دموع الغضب التي اجتمعت بدورها مع دموع الضيق، حيث خرج صوته حادًا غليظًا و هو يُبعدها عن طريقه بطريقة فظة لم يعتدها أبدًا، فالغضب هو من يتحكم به الآن و ربما يجعله يرتكب أمورًا يندم على ارتكابها فيما بعد ..

أرواح متنقلة ( مُكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن