19- فجر امل

243 22 5
                                    

رنيم محاولة ان تتماسك وان لا تجهش بالبكاء امامه كطفلة ساذجة - لانها لو فعلت ماكانت لتغفر لنفسها ذلك ابدا وهي التي كانت تقسم بانها قد اصبحت قوية وقد امست قادرة على التحكم بعواطفها وتلك النظرية التي انهارت فور اول اختبار وضعها امام فادي - قررت ان تقلب سير المحادثة الى شيء من العدائية كي تنفذ بجلدها من محاسبة النفس لاحقا.
قالت متصنعة اللا مبالاة " لا تقل لي انك تكبدت عناء التخطيط لمقابلتي فقط لتكرر عليّ اسمي؟!"
ايقنت انها جرحته وان جرحها له ٱلمه فقد احست بذلك تماما كما لو كان الجرح فيها.
لكن فادي الذي كان يجد نفسه مجرما لا يستحق الشفقة او التساهل وانها لا ينبغي لها ان تغفر له ابدا ابتلع تعليقها دون تذمر وابتسم بخجل وقد اخفض نظره للاسفل وقال " لدي الكثير لاقوله..."
لم تنطق رنيم بشيء كانت تنتظره ليسرد لها وفي داخلها تلهف انكرته.
هو تابع بعد ان فهم انها تريده ان يقول كل ماعنده سريعا كي تغادر هي على الاغلب. فعقد امره ان يتكلم دونما تأخير" على الارجح انك لا تعلمين بالامر ، لكنني اردت ان تعرفي هذا الامر اكثر من اي شيء اخر .. اردتك ان تعرفي ان الخير ينتصر في الاخير وهذا ليس فقط في الافلام والروايات"
هي باستغراب " ماذا تعني؟" كانت قد نست تماما قول شيء مماثل له.

هو " اخر مرة اتيتِ لرؤيتي اخبرتيني بذلك . قهرني الشعور بالعجز لانني لم استطع ان اقول وقتها بانكِ مخطئة وبأن هنالك امل بانتصار الخير . لكني اليوم اخبركِ ان الخير موجود ولازال المنتصر .. فبعد لقاءك بستة اشهر تقريبا حصل ان تداعت امبراطورية عائلتي العزيزة"
توقف ليسعد بوجه حبيبته المتفاجئ والسعيد ثم اكمل كونه لم يرد ان يجعلها تنتظر " امي.. رحمة الله تغشاها .قامت بحركة ذكية ان وضعت مجموعة خطيرة من الادلة مع شخص امين. كان بمثابة التأمين على حياتها وما ان وصلت تلك الوثائق الى ايدي الشرطة حتى انتهى جميع اخوتي .. احدثكِ عن السجن المؤبد!"
كانت رنيم سعيدة بالامر " كانت السيدة ياسمين تملك مثل هذا النوع من الادلة ولم تستخدمها!" تعجبت رنيم

هو " ربما ارادت ان تسعد معي وتتجاهل كل شيء اخر "
هزت رنيم رأسها موافقة فالمدة التي عرفت فيها تلك السيدة النبيلة ادركت انها شخص احتفظ بأدلة دامغة على الارجح لحماية ابنها .
فادي تابع حديثه " الخير ينتصر في هذا العالم رنيم لذلك تحلي بالامل "
ابتسمت رنيم وهي تشعر بالحنين للكلام معه لساعات طويلة كالايام الخوالي. الا انها ارادت المغادرة بسرعة قبل ان تعود لتلك المرأة الضعيفة عاطفيا والتي دائما ما دفعتها عواطفها الفياضة لفعل اشياء لم يكن عقلها ليوافقها.
لاحظ فادي رغبة رنيم في الرحيل فحاول بيأس التمسك بها اطول وقت ممكن فتكلم " لماذا كذبت عليّ عندما جئت لرؤيتك؟وجعلت امك تتورط باخباري اكذوبة انك تزوجت ورحلتِ"
كان السؤال وصيغته مفاجئا لرنيم ووجدت نفسها عالقة لا تملك خيارا سوى الاجابة " لانه لا شيء بإمكانه العودة كما كان"
هو " ادرك ذلك جيدا. لقد اردت رؤيتكِ فقط وتمني حياة سعيدة لك ليس الا.."
قالت مقاطعة اياه كما لو انها تريد انهاء الامر بسرعة ونسيان كل شيء يخصه " اعتذر لتهربي . الان وقد رأيتني فلنودع بعضنا هنا"
هو " ليس قبل ان تخبريني كيف كانت حياتك؟"
هي " اتعني كما يفعل الاصدقاء؟"
هو " نعم فلنكن اصدقاء على الاقل "
هي بحنق " لا يمكننا ذلك .. لا نستطيع العودة لكوننا اصدقاء ليس بعد ان كنا احبة "
هو " هل تعترفين انك احببتني "
هي " كان ذلك من الماضي"
هو " انا لست فادي من الماضي انا شخص جديد بفضلك لذلك"
هي قبل ان يسألها ان تتعرف عليه مجددا قاطعته متعمدة ان لا تتركه ينه حديثه
" ارى ذلك . اتمنى لك السعادة بعقليتك الجديدة اذن"
هو " ليس قبل ان اخبرك"
هي بنفاذ صبر " تخبرني بماذا ؟"
هو "انني احبكِ"
ساد الصمت حيث ابتلعت الكلمة كلمات كانت رنيم قد جهزتها للفرار . كم كان يصعب عليها قولها لكنه ببساطة قال احبك! هكذا فكرت .
وجزء منها سعيد انه لم يتخطاها وجزء اخر يحذر من عاقبة سيئة ان تركت الامور تجري بسلاسة.
قاطع تفكيرها فادي " اعلم ان ماقمت به هو جعل علاقتنا مستحيلة لكني اود ان تعلمي ان حبي لكِ اصبح خلال هذه السنين جوهرة نادرة .."
نظرت اليه رنيم تتمنى ان لا يقول المزيد لكنه واصل " لو تجسد حبي مادة لاصبح ألماسة عملاقة لا يوجد لها مثيل في العالم كله. سيضعونها في المتحف وسيحاول كل اللصوص سرقتها"
ضحكت رنيم ضحكة صغيرة لقد كان شخصا اخر تماما وقد احبت شخصه الجديد اكثر .لكن لا شيء تغير. كانا لا يزالان يقفان عند حافة المستحيل لذلك تناولت قناعها وارتدته مجددا لتقول " شيء جميل . الانسان يُحِب  كما يريد ان يُحٓب . لذا لا يهم من يكون من تحبه فطالما احاسيس كهذه في قلبك ستسعد معك ايا كانت .و ارجو ان تجد من يحبك بنفس المقدار "
هو " انتِ تفعلين"
هي " انت مخطئ"
هو " بلى. انت من خاطرت بسلامتك لاجلي عندما تٱمرتِ ضد اناس خطرين لا يعنوا لك شيئا.. انت ايضا من حاولت التستر علي حتى بعد ان حاولت قتلكِ. انت وحدك من بامكانه ان يحبني بنفس القدر"
هي والدمع في عينها جليا ظاهرا " وانت من قتلتني لذلك لا تقل المزيد"
غادرت رنيم وانهار رجل عملاق  يبكي بصمت .
لم يكن يريد ان يدفعها لقول ذلك كان يعلم جيدا غلطته الفادحة، لم يخطر بباله حتى ان يتمسك بها الا ان الطمع اعتراه وهو يراها امامه عينيها صوتها وجودها نفسه بعثره وحطمه الى مكوناته الاساسية الفجة المتطلبة التي لا تريد الا رنيم. لذلك دون تمهل سمح لنفسه ان يحظى بالامل دون وجه حق.
شعر بأنه واقف وسط غابة تشتعل بل كان هو الغابة المشتعلة. كان الالم يسحقه وهو يشعر ان عالمه مدمر مهما حاول فلم يكن سوى بقايا رماد وحطام لغلطة غبية ستكلفه حياته وسعادته.
نهض واقفا وقد ازاح ذراعه التي غطت على وجهه وسترت دموعه المنسكبة . مسح وجهه بقميصه وهم بالرحيل بعيدا جدا اراد ان يغادر الى اقصى مكان في الارض. مكان بعيد قد ينسيه كم ان حياته تعسة بدون رنيم . خطى خطوة. واثنتين يجر نفسه.
خرج من المطعم الذي كان امامه منظر بحيرة جميل . توقف عنده فادي يحاول لملمه بقاياه .
شيء ما جعله في تلك اللحظة يلتفت الى يساره ليجدها من بعيد  تمشي مسرعة نحوه كما لو انها نسيت شيئا ما . فكر فادي بأنها ربما ارادت ان تقول المزيد، ان توبخه او تضربه مثلا . لكنها بنفس السرعة ودون تمهل اندفعت اليه وطوقته بذراعيها تحتضنه دافنة وجهها في صدره دون قول كلمة واحدة .
لم يتسعه الكون سعادة ولم يصدق اساسا الا بعد لحظات طويلة ثم لف ذراعيه حولها يفكر في نفسه "لابد انه اغمي علي واني احلم .. اريد ان احيا ما تبقى لي في هذا الحلم."
لكنها فجأة انسحبت مبتعدة عن حضنه ومبتعدة عنه كما لو انها كانت غلطة عابرة " المعذرة ..لم اقصد .." لم تنه كلامها وهرولت بعيدا. لوهلة كان فادي مصعوقا مما يحدث . هل كانت غلطة ؟ اتمازحني؟مالذي يحدث ؟

قرر بعدها اللحاق بها . لكنه مهما اسرع الخطى وهو يناديها لم تكن تلتفت ثم اخذت سيارة اجرة وانهت فرصة الحوار واطفأت الرجاء في قلبه كشمعة لا حيلة لها.

ادرك فادي انها ولابد تعاني .. لذلك لم ترد ان تقابله . لام نفسه الانانية التي لم تضع اعتبارا لالم رنيم ثم
نظر  الى السماء مناجيا " يا الله ان كان قدري ان احيا ببؤس وعذاب فقد ارتضيت ذلك . رباه الا حزنها ..اجبر قلبها يا إلهي "
كان اشد قسوة بألف مرة من جعلها ترحل ان يراها تتألم وان يكون هو سبب عذابها. لذلك وبقلب يقطر دما وروح تتهافت لتلحق بها قرر ان يدعها ترحل بهدوء كما ارادت. فالحب كل الحب ان تترك من تحب ان كنت تسبب له الشقاء بدلا عن السعادة . ان كنت تدمره ولو دون قصد . تؤخره عن النجاح او السعادة .  لان من يحب بصدق لا يتحمل رؤيتك تتعثر وبالذات ان كان هو السبب.

يتبع.....
©MANAR MOHAMMED

قاتلي و حبيبي ( مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن