20 - زائر

195 23 1
                                    

لم تستطع رنيم ان تنعم باجازتها بالرغم من انها كانت تخطط للبقاء لفترة اطول قبل العودة من رحلتها ، الا انها كانت تخشى انها ان بقيت فلن يزداد الامر الا سوءا مع فادي.
دارت مناقشة محتدمة بين رنيم وسمر التي انحازت له وخططت معه للقاءهما حيث بررت قريبتها انها ارادت رؤيتها سعيدة اكثر من اي شيء اخر ، كلماتها جرحت رنيم ولم تعرف بماذا تجيب.
لم تعرف سمر بسبب حرص رنيم الشديد ان فادي هو من غرس سكينه فيها. فلم تدرك مدى المعاناة التي سيعيشانها ان قررت المضي بعلاقتهما معا.
ودعتها بمشاعر متعبة مستسلمة وودعت الارض والحلم والحب ، ثم انها عادت الى ارض الوطن كما فعلت اول مرة محطمة الى ألف قطعة.

كان ان هرعت الى زميلها ومن اعتبرته اخا ناصحا- زاهر . والذي كانت قد اتخذته صندوقا لاسرارها وخواطرها التي لا تخبر بها احد .
كان زاهر معلماً في المدرسة التي تعمل بها وقد لقت فيه صحبة حكيمة ومثقفة .فقد كان مثالا للاتزان والمعرفة الانسانية والحياتية معا ، وكانت دائما ترى فيه كرجل عاش قرونا وعصورا ونهل من معارف وحكمة البشرية وهو يدرس التاريخ بذلك الشغف الذي يملؤه للمادة.

لم يكن يحكم عليها او يوبخ او يقترح ابدا كان يصغي بصمت ويواسي ببضع كلمات، مطمئنا ان كل شيء سيكون بخير فتصدقه ويرتاح بالها وهي تقول لنفسها : انه يعلم مايتحدث عنه لابد انني سأكون بخير كما قال .

في اليوم التالي من عودتها لم تكن اجازتها قد انتهت الا انها ذهبت مبكرا الى المدرسة تبحث عن زاهر وتحتاجه بشدة ان يقول لها ان كل شيء سيكون بخير كما كان يفعل دائما.
عندما رأته في احد الممرات هرولت اليه بوجه يرسم الهلع . وما ان وصلا الى غرفة المعلمين الفارغة وقتها حتى حكت له بتوتر وبسرعة عن الذي حدث ثم دفنت وجهها في احد الكتب وهي توبخ نفسها على الركض اليه واحتضانه رغم ما اخبرته من كلمات قاسية بأن حبهما شيء مستحيل.
كعادته زاهر لم يقل شيئا في البدء الا انه كان مستاء جدا . لاحظت رنيم استياءه فتكلمت بقلق " اعتذر بشدة لقد كان هذا فظاً مني . انا وبكل انانية جئت اليك اشرح واروي قبل حتى ان ألحظ انك منزعج ووحده الله اعلم ماذا حدث لك-"
هو باحباط لم يستطع الا ان يتكلم دون ان يزن كلماته عكس طبيعته  " أيعقل انكِ لا تعلمين انه انتِ من تسبب بازعاجي؟!!"
كان رده غريبا لرنيم لم يكن زاهر نفسه الذي تعرفه ، لكن بحكم معرفتها الجيدة به وبأخلاقه النبيلة سألته تريد ان تعرف فاذا به يشرح " انتِ تصيبينني بالاحباط! ألم يكن امر فادي من الماضي خلال هذه السنين كلها ؟ ألم تقولي بنفسك ان لا شيء يربطك به بعد الان ؟ مابالي اراكِ تتصرفين كمراهقة ميؤوس .." ترك جملته دون تكلمه وقد ادرك مدى فداحة كلماته استقام واقفا ومشي بعض خطوات مبتعداً ثم عاد منقلبا اليها بعينين مستجديتين الا ان رنيم كانت قد فهمت الامر .
لقد كان في الاخير اختصاصها هو النفس البشرية . لطالما حذرته ان يبقي مابينهما في حدود الصداقة واخبرته بوضوح انها تعتز بصداقتها معه وترجو ان يبقيا كما هما دائما اصدقاء لا اكثر . لكنه لم يستطع .
لم يكن قد قابل احدا بمثل عقلية رنيم لقد وقع في حب ذاتها رغما عنه. هو الذي رفض معشر النساء حتى اصبح في عمر يقارب الاربعين دون ارتباط حميمي باحدهن.
كان عذره ان النساء لا يستطعن ادراك عمقه . وكان ان حدث ودخلت رنيم الى حياته واثبتت العكس . لم يستطع الا ان يحبها كما لو انها المرأة الوحيدة الموجودة في العالم . ومع ذلك وحسب طلبها قام باخفاء كل مشاعره العميقة والصادقة وانتظرها بهدوء ان تفتح له الباب .
كم كانت خيبته عظيمة ليراها لا تزال متشبثة بالرجل الذي فكر فيه فقط كبدائي غبي . لم يستطع لاول مرة في حياته الراشدة ان لا يتمالك نفسه ولا يرتب كلماته انفجر بعنف قاذفا كل مشاعره في وجه رنيم المتفاجئة والخائبة الرجاء بشكل واضح .
ثم انها قالت " لقد اردت بشدة ان لاتفسد الامر بيننا يا زاهر " تجمعت في عينيها الدموع كما لو انها فقدت المكان الذي اسمته منزلها.نهضت مغادرة واحساس الغصة في حلقها بينما زاهر ظل مصدوما وهو يفكر " هل ستتخلى عني ببساطة ؟ فقط لاني احبها ! وعلى الارجح اكثر من ذلك الاحمق؟!" شعر بالغضب والاستياء يكبر في داخله وعصفت به مشاعر متضاربة فأحس بحاجة الى الجلوس وهكذا فعل . كان سعيدا لانه باح لها وحزين لانه على الارجح خسرها.
••••••••••••••••••••

في الجانب الاخر عادت رنيم الى البيت واغلقت على نفسها الغرفة .لم تدرِ ماذا كان يجب عليها ان تقلق بشأنه مشاعرها المهتاجة تجاه فادي التي ظنت انها تجاوزته وانه فعل المثل. فاذا به يأتي ويقلب عالمها رأسا على عقب.  ام اعتراف زاهر الذي برغم معرفتها احتمالية الامر الا انها صادقته بل واستندت عليه حتى اعتادت السند ثم هاهو ذا كان يريها مالم ترد رؤيته منه ابدا. كانت هكذا طامعة في القرب منه كشخصين يمكنهما فهم عقليه الاخر وليس كرجل وامرأة ومايكون بينهما من مشاعر لكن للاسف لم يتم الامر كما ارادت واخذت تشعر بالاسف.

مر يوم واحد من انعزالها في دوامة التفكير في محاولة للوصول الى حلول تخص حياتها . عندما جاءت المشكلة ووقفت امامها. هذه المرة لم تستطع الاختباء فهناك على شرفة المخبز كانت قد جلست على احدى الطاولتين الموضوعتين امام المتجر وكانت منغمسة في الكتابة عندما وقف امامها احدهم .
رفعت رأسها بحذر وكان اسوأ مخاوفها يقف امامها .. فادي !
ابتلعت الصدمة لسانها، فتكلم هو محاولا تهدئة الاجواء " هل اجد عندكم معجنات التمر؟!" كان ذلك تعليقا غبيا وهو ادرك ذلك بنفسه ما ان انهى جملته.
نهضت رنيم وهمت بالمغادرة وهي تقول " ارجو ان تتركني وشأني"
امسك فادي ذراعها بلطف محاولا ايقافها الا انها لم تستدر لتواجهه بل ظلت تحاول الافلات منه. ترك ذراعها وهي اسرعت الخطى بالرحيل فأحس فادي بمدى صعوبة الوضع عليها لكنه كان قد عقد امره .بأن يتمسك بسعادته.

صاح من ورائها جاذبا اهتمام المارة الفضوليين " لن استسلم حتى اموت "

•••••••••••••••••••••••••
مر اسبوع رنيم المتبقي من اجازتها وهي لا تغادر منزلها مطلقا تجنبا لرؤيته . لم تدرِ لمَ كان جزءا منها سعيد لرؤيته هنا لكن كل الاجزاء الاخرى كانت ضده. وعندما حان موعد عودتها للعمل توجست قلقة في رأسها سؤالين لم تجد ادنى فكرة كيف السبيل لاجابتهما اولهما: هو كيف تتجنب فادي الذي كان يحرس منزلها كمترصد محترف في حال تبعها للمدرسة؟ والسؤال الثاني: هو كيف تتعامل مع ماحصل بينها وبين زاهر . لم تكن تريد خلق العداء او تسبب الجرح له وجعل وضعهما غير مريح وهما يعملان في نفس المكان . ودون ايجاد حل لأي من السؤالين توجهت مترددة نحو دوامها.
فادي كما توقعت كان ينتظرها امام تقاطع اشارة المرور
" طاب صباحكِ اما صباحي فجميل برؤيتكِ رنيم . "
تكلم بمرح كما لو ان لا ماض حزين يجمعهما . تجاهلت كلماته وتجاهلت وجوده لانها لا تعلم ماذا كان افضل من ذلك . ومشى ورائها الى ان وصلت المدرسة بهدوء تام ثم علق وهي تعبر البوابة " اتمنى لكِ يوماً سعيداً"
ثم اكمل وقد تذكر بابتسامة جميلة لا تليق بوجهه الذي خلال سنين الفراق بات يبدو كادحا " سأراكِ في المساء!"
تظاهرت بعدم سماعه وهرولت مسرعة الى الداخل ثم
فكرت بحذر وقلق " مالذي يقصده بأنه سيراني بالمساء ؟هل جن؟!"

يتبع............

©MANARMOHAMMED

قاتلي و حبيبي ( مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن