6- مختطفة

435 45 0
                                    

لم تنتظر رنيم كثيراً لتعرف ما كان يعنيه فادي،
فبينما ظنت ان حظها ابتسم لها لتربح من العدم رحلة شاملة التكاليف الى منتجع في الجزيرة الاكثر شهرة بجمال مناظرها وروعة جوها في البلاد ، الا انها لم تدرك انها كانت تمشي برجليها نحو المصيدة.

ترددت بادئ الامر عند استقبالها مكالمة هاتفية تعلمها بامر فوزها كونها لم تستطع تذكر انها شاركت في اي نوع من المسابقات الا ان المتصل اكد عليها انها الفائزة و انه تم اختيار عدة مشتركين اوفياء لشركة الاتصالات التي كانت تستخدمها لهذه الجائزة .

تكلمت رنيم مع سمر عن الامر علها تجد سمر تؤيدها في كون الامر مريباً بعض الشيء، الا ان سمر لم تكترث لذلك و طلبت منها ان تتوقف عن التفكير بشك حول كل شيء . و في حالة من الغبطة والسرور لقريبتها اخذت تلح عليها ان تستغل الفرصة للاستجمام كشيء لم تتمكن من فعله منذ فترة طويلة.
في نهاية الامر قررت الذهاب وانطلقت في رحلتها الى الجزيرة التي انتظرتها بكامل سحرها بعد عناء ساعات من الترحال على الحافلة اولا ثم مسافة صغيرة قطعتها بالعبارة.

جرى كل شيء بسهولة حيث وصلت المرأة في الخامسة مساء و شمس الصيف لاتزال في السماء تملأ الدنيا نورا و حرارة . لم تنتظر حيث ما ان استلمت غرفتها في المنتجع ووضعت اغراضها حتى انطلقت لتستجم امام الشاطئ الهادئ حتى حل المساء و شاهدت غروب الشمس على الامواج الذهبية . كل شيء كان ساحرا بما في ذلك خدمة الغرف التي وفرت لها وليمة فاخرة استمتعت بها ثم لتختم فيه ذلك اليوم المثالي اخذت حماما طويلا في الجاكوزي ثم استلقت نائمة بهناء تنتظر الصباح التالي.

ذلك المكان الجميل الذي كان اشبه بالحلم تحول فجأة الى كابوس ، عندما احست بعد نوم طويل غير مريح انها مقيدة و لا تستطيع الحركة . اخذ الامر منها لحظات لتستفيق و تدرك انه لم يكن كابوسا بل حقيقة.

فتحت عينيها لتجد نفسها مربوطة بحبال سميكة الى مقعد في مكان اشبه بالمستودع المهجور وفمها مغلق بقطعة قماش تضغط بقسوة على وجهها .
الى جانبها كانت امرأة اخرى  وكانت مقيدة مثلها و بفمها و عينيها محجوبتين بقطع قماش سوداء، عدى عن ذلك لم يكن هنالك احد امامها .
دب الذعر فيها و اخذت تحاول التخلص من الحبال دون جدوى ثم صرخت صرخة مكتومة  و هي في نوبة هلع لا تستطيع ادراك كيف انتهى بها الامر هناك.

بعد لحظات خرج ظله المخيف الى النور لترى وجه فادي يتقدم نحو المرأة ويفتح ماغطى على  فمها مبقيا على عينيها مغلقتين.
و فورا اخذت المرأة التي بدت في  اربعينياتها تتكلم بهلع تسأل من كان ولماذا اختطفها .
بينما هو متجاهلا كلماتها مشى نحو رنيم  و هو يتصرف كما لو انه لم يقم لتوه باختطاف امرأتين لغرض لا احد يعلمه سواه.  ابتسم كمختل وفك القماش الذي منعها من الصراخ .
و قبل ان يتكلم صرخت تشتمه "ايها المعتوه السافل! كيف تجرؤ على اختطافي ، سأجعلك تدفع ثمن فعلتك هذه ايها المجنون الـ.."
قاطعها فادي بنبرته المتساهلة المستهزئة المعهودة " مهلا عزيزتي انتِ من وضعتِ نفسكِ في هذا المكان . ألم تكوني من اخبرني ان امنح امي فرصة للكلام؟! هاهي امي امامكِ . انا اعمل بكل نصائحك كما ترين."
قبل ان تتكلم رنيم تكلمت المرأة التي بدت في الخمسين من العمر " أهذا انت؟ فادي ؟ ابني!"
كان صوتها يرتعد و لم تكن سعيدة بل و كمن تم الامساك به بالجرم المشهود كانت تتنفس كما لو انها تريد ان تتبخر و تختفي من امام ابنها.
ادركت رنيم ان تلك المرأة لم تكن طبيعية هي الاخرى ، فأي رد فعل تلك التي قامت بها عوضا عن توبيخه او حتى استعطافه.
صرخ فيها " لايحق لكِ ان تقولي ابني . ألستِ من رحلت دون وضع اي اعتبار لابنكِ الصغير في المهد؟"
رددت بخوف " انت لا تعلم شيئا ، انا رحلت حتى لا افقد حياتي .. لقد كنت انانية حين لم آخذك معي ، لكني كنت غير قادرة على اخذك معي.."
قاطعها و قد مشى اليها بغضب جعل وجهه احمر قرمزي واحكم قبضته على عنق امه وهي يتكلم من بين اسنان تصتك " انتِ ام لا تستحق الحياة"
اخذت رنيم  تصرخ به ان يتوقف و والدته تتصرف بهلع حتى لاحظ فادي انها لم تكن طبيعية وفك يديه عنها لكنها اخذت تنتفض في نوبة من الهلع وكانت تعاني لتتنفس.
صرخت بفادي ان يفك وثاقها سريعا كي تساعدها وان امه في حال خطرة قد تودي بحياتها.
جاء نحوها ونفذ ما امرته وهو في حالة من التشوش فيما بدى ان ما حدث  لم يكن ضمن مخططاته .
اعطت رنيم لام فادي كيسا لتتنفس من خلاله و فكت غير عابهه بفادي وثاق امه وجعلتها تستلق على ارض المكان وبينما انشغلت بتهدأتها،  لم تفكر حتى بطريقة بالفرار. و عندما بدأت ام فادي تهدئ وانحسرت نوبتها  غادر ابنها مغلقا باب المستودع الضخم ورائه.
بعدها بدقائق نامت الام تاركة رنيم في ذلك المكان المخيف ، ألقت رنيم نظرة فاحصة على المكان علها تجد وسيلة للتحرر من خاطفها. كان المكان قديما بجدران عالية من الصلب وسطح فولاذي فية بضعة ثقوب . النوافذ التي كانت عالية الارتفاع وصغيرة الحجم تم احاطتها بقضبان حديده متينة . نهضت لتستكشف عبر الخردة التي توزعت في اركان المستودع فربما كان هنالك مخرج اخر دون جدوى . ثم بحثت عن اداة قد تساعدها في فتح الباب فوجدت قضيبا حديديا كان سيكون جيدا كوسيلة للهجوم على فادي ما ان يفتح الباب . خبأتها ورائها وانتظرت في تلك الليلة الطويلة المضاءة بأضواء النيون الخافتة . انتظرت ان تنهض ام فادي علها تجد بعض الاجابات لاسئلة حيرتها بشأن تلك المرأة التي كانت لا تقل غموضا عن ابنها.
انتظرت فادي المتهور المريض نفسيا لتخرج من سجنها الذي وضعه لها ، بينما صارت تتمعن في اسئلة كلماذا اختطفها مع والدته وماذا اراد بفعل ذلك ؟ ضايقها احساس اصابها بالحزن على فادي . لقد تركته امه قبل ان يتعرف حتى عليها. وفكرت ان ذلك على الارجح ماجعل منه مجرما.
غفت وهي تفكر في فادي وكيف انتهى به الامر الرجل الذي اصبحه.
عندما استيقظت كان الاثنين يتحدثان فادي وامه . لم تشعر بنفسها رنيم متى وكيف نامت، و لم تشعر بقدوم فادي او لكم من الوقت كانا يتحدثان .
استمعت بصمت وهدوء بعد ان رأت الباب شبه مفتوح وفرصتها سانحة للهروب واختارت بقناعة ان تبقى لترى نهاية الامر.
كانت ام فادي تتكلم " ولولا مساعدته لهروبي لكنت هلكت هناك. اكرر لك لقد كذبوا عليك لم يكن حبيبي ولم اكن اعرفه. "
فادي وهو واقف وممسك بشعر رأسه يشده بقوة يقول بغضب مكتوم بالكاد " لست آبه لامرك.. لكنكِ تريدينني ان اصدق ! ان ابي هو جدي وان اخي هو والدي الحقيقي ...انتِ بالفعل مجنونة وانا احمق لاني استمع الان لكِ"
هي " بلى انه والدك وموته لم يكن حادثا لقد قتلته بنفسي.. لاجل حياتي التي دمرها باغتصابه لي ولاجل كل شيء حدث بعدها  ، هذا هو انتقامي وانا لا اشعر بقطرة ندم "
كان فادي قد تهاوى الى الارض و هي اقتربت منه تربت على كتفيه وتحضن ذراعه بلطف وحذر " سامحني بني .. لقد كنت دائما السبب الذي يجعلني استمر بالعيش طوال هذا الوقت . لاجلك لم اقتل نفسي .لاجلك عشت هذه الحياة الاشبه بالموت. في كل مرة كنت اختبئ فيها لاراك كنت استمد الطاقة لاستمر . رؤيتك الان وانت رجل قوي ووسيم امامي تجعلني اشعر بالسعادة. ربما لم اكن معك لكنني احبك في كل لحظة ابني الغالي "
ازاحها فادي بقسوة وقال منفعلا " كيف بامكانكِ ان تحبي ابنا انجبتيه من مغتصبك ؟ كيف تمكنتِ من العيش مع كل هذا الالم ؟ ليس فقط ان ابن غني القرية اغتصبكِ بل وتزوجك ابوه بعذر انه يستركِ!! اي جنون هذا! كيف تحبينني وانا بمعرفتي ما قلته لا استطيع ان احب نفسي!.. لا لابد انكِ تكذبين!"
بكت الام بصوت عالي واخذت تلطم نفسها وهي تعتذر لتسببها بالالم لابنها وتخبره انه يجب ان ينسى كل ما اخبرته ويعتبرها كذبة ويواصل عيشه كما لو انه لم يقابلها.
كانت  رنيم في تلك المرحلة قد انفجرت بالبكاء هي الاخرى غير قادرة على التحمل.و اقتربت من الام تحضنها وهما يبكيان معاً.بينما الام اخذت تحكي كيف اساء الجميع اليها في ذلك المنزل، وكيف ان زوجها العجوز كان يعتدي عليها ضربا كل ليلة وان اولاده كانوا يحاولون استغلالها جسديا كما لو كانت عاهرة ، وكيف انهم حاولوا قتلها وهي لا تزال نفساء . وانها لا تزال تنتابها نوبات هلع في كل مرة ترى احدا من عائلة عوض .  احتضنها فادي بين ذراعيه متأسفاً. واخذ بدوره يشكو اليها كيف انه منذ نعومة اظافره عومل بقسوة وغلظة وجفاء وكيف ان والده او بالاصح جده  الذي اراد حمايته من الاخرين علمه فنون القتال منذ سن السادسة وكم كان ذلك مؤلما ومرهقا وكم كان  الجميع ينبذه ناهيك عن ايذائه نفسيا وجسديا ، كل ذلك كان يثقل كاهليه كل يوم ويقوده نحو الانتحار.
ثم روى بعدها كيف تحول للشخصية الفجة العنيفة اللامبالية التي اصبحها وهو يحاول البقاء في وسط بيئة معادية من قبل افراد بيت العائلة الكبيرة.
وبعد ساعات من الحديث اجتمعت تفاصيل الاحداث كلها لتترتب قصة تبكي لها المآقي. قصة ياسمين والدة فادي، و تمكن اخيرا فادي من معرفة الحقيقة .

©ManarMohammed

قاتلي و حبيبي ( مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن