12-مرة تلوى اخرى

298 25 1
                                    

تنفست رنيم بعمق قبل ان تبدأ في الكلام . ثم انسابت كلماتها بشيء من الحذر والخجل .
قصة رنيم كانت عن فتاة نشأت في عائلة ميسورة كانت هي اكبر الاخوات. في البدء وتحت جناح والدها حصلت على كل ما تتمناه فتاة صبية في عمرها . كانت تلك لحظاتها السعيدة الوحيدة. حيث توفى والدها في حادث سير وهو في طريقه لاخذها من جامعتها .
لامتها والدتها واختيها على موته كما لو انها هي من قتلته. بعدها عانت الاسرة ظروفا مادية عصيبة ،زاد من كراهية الام لابنتها. كون رنيم في يوم  الحادث اصرت ان يأتي لاخذها والدها يومها ، والا لكان حياً بينهم .

توقفت رنيم عن الدراسة واخذت تعمل لتوفير قوت العائلة ، فاختيها كانتا لا تزالا  في المدرسة ووالدتها لا تحمل اي مؤهلات تمكنها من العمل .

لكن رنيم لم تتمكن من تحمل كل تلك الاعباء المادية براتبها الصغير ، لذا لم يتوانى الجميع عن التذمر ولم تتوقف الام عن حث ابنتها  على الزواج كي يتسنى لهم فتح مشروعهم الخاص بمهرها.
لم ترد رنيم حياة كتلك ، ان يتم بيعها بتلك الطريقة لرجل لا تعلم عنه شيئا فقط لينعم البقية بحياة افضل . لكن كل خيار اخر كان بعيدا ، و بسوء حالتهم الاقتصادية اكثر من ذي قبل مع مرور الوقت، رضخت رنيم لطلب امها .
ما ان فعلت حتى انفرجت اسارير والدتها. ذهبت واوصت خطابة شهيرة بأن تبحث عن شخص ثري لابنتها ، و رنيم معها تشعر وكأنها تحولت سلعة للبيع ، ولكن غير قادرة على تحطيم آمال والدتها التي للمرة الاولى خلال سنتين ،عادت لتبدو كوالدتها التي احبتها يوما .اخذت ام رنيم تخطط لفتح عملها الخاص الذي قررت ان يكون مخبزا لمهارتها العالية في صنع المعجنات. و كان لها كل ما حلمت ، تقدم لخطبتها شاب ميسور من عائلة راقية.
لم تتردد الام ووافقت دون ان تبدي اهتماما بمشاعر ابنتها الحقيقية. هكذا تزوجت رنيم وهي تخبر نفسها انه لا يعني كونه زواج مدبر انها لن تحظى بالسعادة . قررت ان تقوم بمحاولة كل شيء لتكون سعيدة مع زوجها الذي حتى يوم زواجهم كان غريبا بالنسبة لها.

لكن المثابرة والاصرار لا تجدي نفعاً عندما يتعلق الامر بالحب، لم يكفِ شخص واحد لبناء علاقة زواج سعيدة. كان زوجها المهندس سلطان مشغولا طوال الوقت يغيب ولا يعود الا في منتصف الليل .
وعندما يكون معها لايكون حاضرا. في بادئ الامر ظنت انه يحب امرأة اخرى او ربما يخونها وعاشت مرحلة عصيبة وهي تحاول ان تدر ما خطبه. لكنها في الاخير ويعد مرور العام، اكتشفت انها كانت شخصيته . شخص هادئ ومتحفظ المشاعر .كان يحبها بما يكفي الا انه كان يفشل في التعبير ، والا لما كان شجعها واقنعها بانهاء دراستها الجامعية، وتحمل تكاليف ذلك .

بعد ان ادركت ان شخصيته كانت متحفظة وباردة اطمئن قلبها فهو لم يكن خائنا وقررت ان تضع ثقتها وحبها فيه . ثم فكرت انه ربما بوجود فرد ثالث في عائلتهما الصغيرة ستتمكن من كسر حواجز سلطان النفسية وجعله اكثر تلقائية وانطلاقا مع اطفاله. وربما كان سيجعل الاولوية للعائلة بدلا عن العمل الذي كان يأخذ جل وقته .
الا انها دخلت دوامة نفسية صعبة ففي كل مرة كانت تحمل كانت تجهض في شهورها الاولى . مرتين على التوالي.
ذلك الكم الهائل من الالم والانكسار كان عليها ان تخوضه في كل مرة وحدها . زوجها لم يكن يدر مدى صعوبة الامر عليها وكيف انها كانت تعاني بمفردها . وامها كانت مشغولة جدا في مخبزها الذي اصبح مشهورا ولم تبد ادنى اهتمام بابنتها التي قايضتها من اجل الحصول على ذلك المخبز.
وبعد سنوات ثلاث من زواجهما اخيرا تمكنت رنيم من الاحتفاظ بجنينها ، كانت تشع سعادة في شهرها السابع تنتظر بفارغ الصبر يوم ولادتها . اليوم الذي كانت ستقابل فيه ابنتها رهف وكانت تتوق للقائها في كل يوم. تحدثها كثيرا وتقرأ وتغني لها ، احبتها قبل حتى ان تراها. ولكن شاءت الاقدار ان تنزلق رنيم بينما هي تصلح ستارات غرفة الطفلة . كانت سقطة مؤلمة وبالكاد تمكنت من الحركة لتمسك بالهاتف وهي تنزف ورجلها تؤلمها بشدة. اتصلت لغباءها بزوجها عوضا عن الاسعاف. ثم  فقدت الوعي ،  وماتت الطفلة في داخلها دون ان يلاحظها احد و دون ان يساعدها احد.
سلطان الذي ظن ان المسألة لم تكن جادة، انهى عمله وعاد للمنزل بعد ساعات من الحادث وهو يشعر بالفخر بنفسه انه ترك العمل مبكرا من اجل عائلته.
لكنه هلع لرؤية بركة الدم التي غرقت فيها زوجته . وفي المشفى تم نقل الدم لرنيم وانقاذها باعجوبة بعد ان كانت فقدت الكثير من سوائل الجسم. وعانت من كسر في رجلها اما الطفلة ففارقت الحياة. كان يمكن انقاذها ان تم اسعافها بشكل اسرع . لكن لم يأتِ سلطان وتدمر حلم رنيم بأن تلتقي بأبنتها الى الابد.
كان ذلك ما دمر علاقتهما الى الابد . رنيم لم تتمكن من مسامحة سلطان حتى انها لم تستطع مسامحه نفسها. مرت اشهر كثيرة حتى ادركا انهما لن يعودا كما كانا ابدا شيء ما كان قد انكسر بينهما شيء لا يمكن اصلاحه ابدا وهي الثقة. لم تعد رنيم تثق به انه سيكون موجودا لدعمها او اطفالها لانها عندما احتاجته بشدة لم يأتِ.

وفكرة انه لو كان فقط اتى ابكر بقليل فربما كانت رهف لتكون حية بينهم تحتضنها بين ذراعيها جعلت رنيم تكرهه وتشعر بالنقمة والسخط عليه بحيث لم تتمكن حتى من البقاء معه دون محاولة مغادرة المكان .

في الاخير اخبرته انها تريد الانفصال عنه . سلطان الذي كان قد عاد لحياته بشكل طبيعي توقع ان رنيم قد فعلت المثل لم يكن ينتبه انها كانت تعاني لتتبادل معه كلمتين دون تذكر ما حدث والانفجار بالبكاء. اخبرته بدموعها انه لم يكن هناك لاجلها ليس وقت الحادث وليس بعده وانها لم تعد تستطيع حتى النظر الى وجهه.
ترجته ان يتركها يرحل . فترجاها هو الاخر ان تبقى وانه سيتغير لاجلها لكنها ورغم احساسها بصدقه فيما قاله الا انها لم تستطع المتابعة معه.
تطلقا وكل مضى الى سبيله وظنت انها ستحظى ببعض الوقت لترتب حياتها وتعرف ما تريد . احتاجت بعض الوقت واعتقدت ان والدتها سترحب بها بيني احضانها.

لكن ما حدث هو العكس لقد فعلت اسوأ مما كانت والدة سلطان لتفعل . لم تلمها فقط على هذا القرار وانما عيبتها واخبرتها ان لا احد سيقبل بها بعيوبها المنفرة وحساسيتها المفرطة وانها هي نفسها لا تطيق تحملها. جرحتها بكلماتها كطعنة بسكين حاد. كيف امكن لامها واخر ملجأ لها ان تؤذيها في الوقت الذي احتاجت فيه تفهمها وعطفها  اكثر مايمكن.
ولانها لم تجد اي مكان اخر تأوي اليه تحملت وبقيت تتحمل كل انواع العنف بالكلمات من والدتها التي حذت حذوها اختيها التي احداهن كانت قد خطبت والاخرى تعمل مع امها في المخبز . ولم تلق التعاطف الا القليل من اختيها. اللتان وقفتا من جديد مع امهما  ما ان جاءت  بعريس جديد لرنيم في وقت قياسي لم تكن فيه قد تعافت من جراحها بعد . تلك كانت القشة التي قصمت ظهر البعير .
غادرت بعدها رنيم البلاد وهاجرت لتعيش مع سمر . هناك حيث التقت بفادي الذي استمع لقصة حياتها باهتمام وتعاطف  .
بعد ان حكى كلٌ قصته ، شعر كليهما بثقل انزاح عن صدره ، عم الهدوء المكان وابتلع الصمت كل مشاعر اثقلت صاحبها. مشى الوقت بدقائقه يجلب السكينة وشيء من الراحة .
امسك فادي بقلبه الذي اضطرب عندما اطال التحديق برنيم التي سرحت بخيالها تنظر الى نجوم السماء الواضحة  وقرر مصارحا " رنيم ، انا احبكِ حقاً"
نظرت نحوه متفاجئة كما في أول مرة قال لها تلك الكلمات. كيف يجب ان تتعامل مع مجنون مثله؟!!

©ManarMohammed

قاتلي و حبيبي ( مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن