من الماضي
كانت ياسمين في عمر الزهور تعيش في القرية الهادئة ترعى والدها ويعيشان معا في بيت متواضع مع اغنام قليلة يعيشون من خيرها.
كانت قد فقدت والدتها قبل عامين والتي ماتت منتحرة بعد ان اثقل على كهلها اصابة زوجها في العمل وعجزه عن التحرك بشكل طبيعي بعد اصابة بالغة في ظهره وهو يؤدي عمله.
بعدها انتقل الاثنين للقرية التي قضى فيها والدها طفولته . وسكنا في منزل جدها الذي ظل مهجورا لعقود. زرع والدها بعض المحاصيل في حديقة البيت متذكرا ماعلمه والده له . ثم شيئا فشيئا اخذا يقتصدان في استهلاكهما حتى جمعا مبلغا مكنهما من شراء خروف صغير و مع الوقت اصبح لديهما قطيع صغير من اربعة اغنام . اخذا منه اللبن وصنعا الجبن واللبن الرائب والزبدة . كانت حياة ياسمين شاقة لانه كان عليها الى جانب اهتمامها بوالدها رعي الاغنام والاهتمام بالزرع وتنظيف البيت والطبخ وصنع الجبن والزبدة وبيع كل مايزيد عن حاجتهما في السوق لشراء احتياجاتهما الاساسية. لكنها كانت قوية ، قوية وتملك شخصية واضحة وثابتة ولا تهاب احدا .
كان حلمها قبل ان ينتهي بها الامر في تلك القرية النائية ان تصبح ممرضة وتعمل ليلا ونهارا لتعتني بالمرضى. حلم تخلت عنه بسبب ظروفها.ذات صيف جاء في زيارة الى القرية عائلة الشيخ عوض صاحب القصر الضخم الذي لم يكن يسكنه احد. وكانت تشاهد ابناء التاجر الثري وهي في طريقها للرعي و لاتتوانى ان تعلق بصرامة على اي احد يتطاول عليها بكلمات غزل تافهة . و ذات يوم حصل ان كان مجدي احد ابناء عوض العزاب يتطاول على ياسمين حتى انه مشى اليها ولمس يدها عنوة . فأهانته بكلمات سب جعلت منه اضحوكة بين اخوته. بوجهه الغاضب ابتعد مجدي ، و في قلبه نية خبيثة للانتقام من تلك الفتاة عادية الجمال قوية الشخصية رغم فقرها.
واي انتقام يكسر امرأة معتزة بنفسها اقسى من هتك عرضها . اختبئ كذئب جائع وراء اشجار البرية بينما كانت المسكينة ترعى اغنامها في وضح النهار . ثم ما ان اقتربت جرها معه وقد اغلق فاهها الى مكان غطته الشجيرات الشائكة وهناك قام بجريمته غير ابه بمقاومتها له خدشا وعضا ليده التي اغلقت فمها منذ البداية وحتى انتهى من فعلته الشنيعة ،لم تفلح محاولتها في انقاذ نفسها ، و دخلت في صدمة نفسية حيث ظلت مرمية هناك في ذلك المكان الشائك والبارد طوال النهار وحتى جاء الليل.
فكرت بتبليغ الشرطة بالامر لكنها تيقنت انه بفعلها ذلك فأن والدها سينهي حياته كما فعلت امها من الخزي والعار . لذلك قررت التستر على الامر بالرغم من انها كانت محطمة ومنكسرة و تتمنى الموت الا انها قررت العيش.
بعد ان استدركت ان والدها كان سيفقد عقله لغيابها لفت ملابسها بقوة اليها ثم عادت للمنزل . و حاولت لاجل والدها ان تتصرف وكأن شيئا لم يكن .مجدي الوضيع اخذ يضايقها في كل مكان ويهددها بكشف سرها ويلمح امام الجميع بكونها غير شريفة . كانت تكتم ألمها وغيظها خوفا من الفضيحة . وبعد مدة عادت عائلة عوض من حيث اتت وتنفست ياسمين الصعداء ظنا منها ان كل شيء قد انتهى . لكنه لم ينتهِ، فلم تنقضِ فترة طويلة الا واخذت تظهر على المعتدى عليها اعراض الحمل . لم تدرِ المسكينة مابها الى ان والدها لاحظ الامر وجلس معها مصمما ان يعرف مايحدث . كان قلبه يحدثه بأن ابنته تغيرت ولم تعد باسمة بشوشة كما كانت كان يعلم ان شيئا ما كسر في داخلها وما ان رأى ابنته تتقيأ كل صباح حتى ادرك هول ماقد يكون قد حدث. بعد ضغوطات منه واصرار انفجرت ياسمين باكية محدثة اياه بكل ما حدث.
انهار الاب ارضا نادبا حظ ابنته التي لم تتجاوز السابعة عشر . ولم يستطع ان يقف ويشاهد دون ان يتصرف كأب ويحاول حماية ابنته ، من مجتمع لن ينظر اليها كضحية بل مذنبة فاجرة .
اختفى والدها ليومين اخذت فيهما ياسمين تبحث في كل شبر في القرية بجزع خائفة ان يكون قد انتحر وغادرها وحيدة وهي في ذلك الوضع.
لكنه عاد واخبر ابنته انه قد وجد حلا ، وانه قابل التاجر عوض واخبره بكل شيء ووافق عوض على الزواج لتغطية الفضيحة التي قام بها ابنه.
بادئ الامر رفضت الفتاة الامر ،فكيف تتزوج ممن قهرها وكسر روحها. الا ان والدها هدد بأنه لن يستطيع العيش بفضيحتها التي ستظهر في الاخير امام الجميع . وتوسل اليها مترجيا متضرعا ان تقبل الزواج بعوض . عوض وليس ابنه المعتد عليها ! عندما علمت ياسمين بذلك اخذت نفسها واخبرت والدها بأنها ستخلصه من الفضيحة بأن تموت وذلك اهون عليها من وطأة ما كان يطلبه منها . لكنه احتضنها بقوة واخذ يبكي ويترجى ويقبل يديها وهو يخبرها انه لا يريد خسارتها كما خسر والدتها واخذ يلعن نفسه ويتمنى لو لم يكن عاجزا . في الاخير تم الامر كما اراده والدها وانقادت ياسمين كمن ينقاد الى موته برجليه الى ذلك القصر الذي سكنه عائلة عوض في المدينة ووالدها معها كما اتفق مع زوج ياسمين العجوز .
وهكذا تزوج عجوز صفق فتاة اصغر من عمر ابناءه مستغلا حاجة والدها لدرء بلاء الفضيحة بين الناس. لكن مع ذلك لم يعجبه الشرير كون ابنه قد شاركه الغنيمة واخذ يضرب المسكينة بشكل مستمر في الخفاء دون علم احد . ثم في الصباح تواجه تنمر زوجة عوض الاولى مع بنلتها وزوجات اولادها بل واولادها انفسهم حيث كانوا يتحرشون بها دون احساس بالحياء ، كما لو كانت جارية وليست زوجة ابيهم وحرمة عليهم.اما مجدي فلحسن الحظ كان مسافرا ليكمل دراسته في الخارج . كانت ياسمين تخفي كل يوم اوجاعها عن والدها وتبتسم وهي ذاهبة اليه في غرفته التي خصصوها له في طرف القصر البعيد عن العائلة. وعندما جاءها المخاض لم يقبل احد ان يقوم باسعافها او حتى مد يد العون . تركوها تصرخ وتتألم في غرفتها متجاهلين امرها الى ان تمت ولادتها . استمرت بالنزيف حتى جاء العجوز وادرك انها ستموت ان لم تذهب للمشفى وهكذا افترقت عن ابنها الذي بعد ان عادت من المشفى وطالبت برؤيته اخبروها بخبث انها يجب ان تتعافى اولا. والدها اخيرا عرف بامر ولادتها وسمح له بزيارتها. احس الاب وقتها بأن هنالك خطب ما بأبنته ، كان هنالك اشياء تحدث ولا تعلمه بها. احتضنها اليه واعتذر اليها معترفا انه اقترف ذنبا عظيما بجلبها الى مكان كذلك. وطلب منها ان تحكي له الحقيقة عما كان يجري في ذلك القصر المليء بالاسرار. انفجرت باكية ياسمين تطلب منه ان يأخذها بعيدا عنهم. انصرف الاب وفي قلبه غصة وفي الوقت ذاته عازم على تخليص ابنته مما كانت تعانيه.
كان من رتب امر هروبها مع احد سائقي العائلة . ولحسن الحظ اتى ذلك في الوقت الذي كانت فيه زوجة عوض العجوز قد قررت دس السم في طعام ياسمين عازمة على قتلها، علمت الامر ياسمين من احدى خادمات القصر التي اراعها هول الجرم الذي عقدت نيتها عليه سيدة القصر. وفي لحظة اختيار بين البقاء والموت او الرحيل والنجاة ،فرت ياسمين دون ابنها الذي لم تتسنى لها ان تسميه وهي تدعو الله ان يعيده الى حضنها يوما.
...........................
بمرور الاعوام تمكنت ياسمين من متابعة حياتها ، حققت حلمها بأن تصبح ممرضة وغدت تعمل لمشفى شهير في المدينة . رغم انها كانت لا تزال تلاحقها اشباح الماضي الا انها تناست كل شيء بأن انهمكت في عملها في خدمة المرضى، و اخذت تصلي كل ليلة ان يجمعها الله بابنها ذات يوم ولاجله عاشت. كم كانت فرحتها عارمة عندما سمعت بخبر وفاة زوجها العجوز وانها اخيرا تحررت من قبضته.
ثم وافت المنية والدها بعد سنين مرتاح البال على ابنته . وتمكنت ياسمين من التواصل مع خادمة القصر ذاتها التي حذرتها من اكل طعامها المسموم، واخذت الاخيرة ترسل بأخبار ابن ياسمين بين الحين والاخر . كانت ياسمين تذهب بحذر في قليل من المرات الى احتفالات الشركة حتى تنظر الى وجه ابنها العزيز وتشعر بالسعادة .
حتى اتت ذات يوم هدية القدر ، بأن اتى مجدي نفسه مريضا الى المشفى الذي كانت تعمل فيه ياسمين . هلعت ياسمين بادئ الامر ثم قررت المواجهة. كان الرجل يعاني ذبحة صدرية رغم صغر سنه نسبيا . ذهبت اليه وهي تعلم ان جميع من في القصر كتموا سره وما حدث لها بعد ان سافر للدراسة في الخارج، خوفا على مشاعره .
كانت هي الممرضة المسؤولة عنه في قسم الرعاية المشددة . وعندما تعرف عليها واصبح في ضيق واضح اخذت مقعظا بهدوء وجلست الى جواره تحكي له كيف ان جريمته النكراء الذي تبعها والده بجريمة اكبر كيف ان فعليهما كان ظلما لن تسامح فيه احد. كان مجدي مصدوما وحالته الصحية تسوء امام عينيها لكنها لم تشعر بحاجة للتوقف بل اخبرته ان اخوه الصغيرالذي اساء معاملته طوال الوقت كان ابنه . واخبرته ان يموت ان كان حقا يشعر بالندم . ثم غادرت غير آبهة بحالته الحرجة. كان ذلك انتقامها. وبالفعل بعد ايام توفي المعتدي واختارت ياسمين ان تتحمل مسؤولية موته دون ندم. كانت بذلك قد حققت لنفسها العدالة .©ManarMohammed
أنت تقرأ
قاتلي و حبيبي ( مكتملة)
Romanceامرأة بماضٍ أليم تلتقي برجل مجرم ، هي كمعالجة نفسية تستطيع ان ترى خلاله ، تتدخل في حياته و تكاد تفقد حياتها لتسحب ذاك الرجل من ان ينحدر ليصبح قاتلاً.