القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)

١٥

       

            الهواء بات ثقيلاً مفعماً بالتوتّر، ونظرات الرجلين احتدّت حتى باتت كالخناجر، ولولا التحالف الذي يجمعهما لهجم كلّ منهما على الآخر ليزهق روحه.

كانت أليانزا محقة،الجوناري لا أمان لهم، الجوناري متوحشون وسيغدرون حتى ببعضهم البعض.

مسح أدريان وجهه بيديه ليعيد تكرار المحاولة، فرأس الثور لا يفهم الحديث، أو يبدو أنّه لا يريد فهمه من الأساس. الرجل جالس في مكانه كالحجر، وكلما سألوه سؤالاً أجاب إجابة لا علاقة لها بالسؤال، فقط للتملص من الحديث في الأمر.

أسند أدريان مرفقيه إلى الطاولة أمامه، ومرّر كفه خلال خصلاته البرتقالية الكثيفة قائلاً " للمرة العاشرة بولدو، أخبرني بما فعلته الفتاة لتحصل على عقاب كهذا، إنهما مجرّد طفلة، لم تبلغ الثامنة عشر حتى".

كانت الإشاعات قد انتشرت، وحاك كلّ من الجوناري ثوب حكايته الخاصة ليثبت ذنب ديولتاي وسوء خلقها، وهو ما لم يقتنع به أدريان.

رمى بولدو بنظراته نحو باب الكوخ متصنعاً الضجر، بينما انشغل عقله باختلاق عذر مناسب يخفي به الحقيقة. ثم ماطل قائلاً. " لقد استحقت العقاب".

كان وقع زيارة الأمير لمنزله عليه كالزلزال، فقد تبادر إلى ذهنه أنه عرف بأمر أليانزا، ذلك قبل أن يسوء الأمر بمعرفته بشأن الصغيرة الحقيرة. وحقير آخر_ أخبره بأمر احتجازها_ لم تطله يداه بعد.

بدا على أدريان الغضب، وقد كبح جماحه طوال الوقت لكي لا يتهجم على الرجل في بيته، وللمرة المئة كظم غيظه قائلاً بإصرار " على ماذا بالضبط؟".

" لماذا تتدخّل في شؤون قبيلتي".ماطل الزينديلو مجدداً، رافضاً اخبار أدريان بأنه خانه، حبس شقيقته وغرز خنجره بظهره حين وضع كفّه على كفّ ريغتاريون ضدّه.

أدرك محارب الجوناري أنّ أمير سوليتروس بات تحت ضغط هائل، فهزيمة جيشه مصيبة ،واحتراق بقيته مصيبة أخرى، وجيوش التحالف المتربصة به كبرى المصائب، ولكن الزينديلو قرر أن يكون عبئاً إضافيّاً ويترك أثره المميز في هذه الحرب.

وقف أدريان ليسقط الكرسيّ خلفه محدثاً ضجة، ووجّه سبّابة الإتهامات نحو بولدو قائلاً " حين أراك اليوم تتصرف مع أبناء قبيلتك وشعبك بهذه الطريقة كيف لي أن أضمن عدم تعاملك معي بنفس الطريقة مستقبلاً؟ "

" هذا شيء آخر " قال بولدو ببرود، وكان عقله قد أنار ببوادر فكرة تخرجه من المأزق.

تنهّد أدريان ،ومسح جبينه لمرّات، إلاّ أن صوته خرج كفحيح غاضب، كبركان على شفا الإنفجار " بل نفس الشيء، لن أنتظرك لتطعنني في الظهر بولدو لأن كلينا يعلم أننا لسنا أصدقاء. ".

تلك كانت حقيقة مُدركة ،فصداقة الجوناري مع شعب آخر مستحيلة، إلاّ أن يكون خسيساً مثلهم، يشاركهم الدناءة والقسوة ويشاطرهم الطموح الذي يقبّل عنان السماء.