ليل ونهار يتلوه نهار وليل، وقد مرّ يومان حاول فيهما سكّان قصر إيلاردا ترميم شروخ أسبوع مضى. خليلة الملك ووصيفتها اللتان قتلتا بطريقة بشعة، ميرلي الميتة تحت شرفة الملكة، وموضوع الوريث الجديد الذي لا يعلم بأمره سوى قلّة.
قرب النافورة المتجمّدة جلست أورليا في بزّتها الحربية الجلدية ذات المعطف الفرو الأبيض، تطالع صفحة الجليد الذي يعكس ملامحها الذابلة. فتجعد وجهها للمرة العاشرة بعد الألف، وتذكّرت مجدداً كم تكره تهوّرها.
ذلك الطفل داخلها كان كلعنة صغيرة خُلقت لتثبت لها أنها مجرّد إنسان، وليست بالعظمة والقوّة التي تظن، فمجرّد التقيؤ صباحاً ومساءً قد جعل قواها تخور وجلدها يشحب ويصفرّ. ولكن هل كلّ هذا يستحق فعلاً؟
أكثر من مرّة راودتها فكرة شيطانية بغيضة، لماذا لا تقتله قبل أن يرى النور؟ لماذا يجب عليها جلب روح بريئة إلى هذا العالم القاسي لتذوق العذاب كما فعلت هي؟
لقد استطاعت بروحها الشريرة النجاة من سنوات مظلمة، نجت من الغدر والخيانة ومن اشياء إكثر بشاعة، فقط لأنها فاقت كلّ شيء بشاعة. ولكن ما الذي يضمن أنّ هذا الجنين سيحمل روحاً سوداء وقلباً متحجراً مثلها؟ بعد كلّ شيء فهو طفل رومان وستكون مصيبة إن شابه أباه.
بين أفكارها المتخبطة لمحت ظلاّ من البعيد، متدثراً في معطف أسود صغير ويحمل وجهه ملامح صارمة جعلتها تبتسم رغماً عنها وهي تراه يتقدّم نحوها بخطوات واسعة يقلّد مشية الجنرال لاكاي.
توقف أمامها واضعاً كفه على قبيعة سيفه، وبصورة عجولة قال " مولاتي، لقد اكتملت تجهيزات القوّة العسكرية، والملك برونديز ينتظرنا عند البوابة".
استشعرت كمّ الحماس في نبرته، ذلك الحماس الذي لم يكن من صفاتها يوماً. رفعت قلنسوتها لتحمي شعرها من ندف الثلج التي تتهاوى عليه قبل أن تذوب وحدثت الصبيّ قائلة" ينتظرنا؟"
" نعم ينتظرنا، أنتِ وأنا" أجاب آروش بغرور وابتسامة واسعة واثقة، حطمتها الملكة حين بعثرت خصلاته الكستنائية المرتبة قائلة " هل أوهمك عقلك الصغير أنني قد آخذك إلى الحرب آروش؟".
لم تكن تمزح، ولم تكن لتسمح لخلاف ذلك بالحدوث. فقد تذكرت أوّل لقاء جمعها بالصبيّ الصغير الطائش، الجريء والمندفع ،والذي سيفعل أي شيء لتحقيق مساعيه. رأت مستقبله زاهياً بين أحضان ميراكيلا ولم تكن لتطعمه لذئاب الجنوب الجائعة.
" لقد نذرت سيفي لحماية الملكة، ولن أحنث بقسمي". عارض آروش بشدّة قرار أورليا، عبس وجهه وانعقد حاجباه، وارتجفت شفتاه إثر خيبة الأمل التي أصابته، وهو ما جعل أورليا تبتسم باتساع، لقد تعلّم الكثير ولكن لا يبدو أنه سيتعلّم التحكم في مشاعره.
أنت تقرأ
القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)
Historical Fiction📌 ركعت عند قدميه تتوسّل الرحمة، تطلب العفو والرضى فقط ليبقي على حياة أشخاص أبرياء. لم تشفع لها عنده جميع العَبَرات والتوسلات، كان جبروته أكبر من حبه لها ولم يتجشّم عناء إخفاء تلك الحقيقة. تراقصت أشباح النار على سور القلعة الحجري، علت صيح...