توقفت الخيول عند سفح التلّ الصخريّ حين ترائت لهم قلعة ويلثفيل،تسدل عليها الجبال ثوب البهاء، وتقبّل المحيط.
قفز كلّ من الرجال عن صهوة جواده ليكملوا الرحلة سيراً على الأقدام،لأن لا يشعر حرّاس الحصن بالتهديد فيرشقوهم بالسهام. وكاد رومان يترجّل هو الآخر عن حصانه حين شعر بالصفير الناعم الصادر من المتشبثة بمعطفه، ترخي رأسها على صدره وتنام قريرة العين.
بعد حادث الأفعى الذي كاد يودي بحياتها صار شديد الحرص على وضعها تحت ناظريه، رغم تذمرها الدائم ومطالبتها ببعض الخصوصيّة، لكن منظرها حين تسمم جسدها لم يفارق مخيلته.
أفلت لجام حصانه ليمسكه بيد واحدة بينما يحركها بالأخرى ليوقظها هامساً " أليانزا ،أيتها الماعز الصهباء النائمة استيقظي".
لم يكد يكمل كلماته حتى شعر بقبضتها تصطدم بصدره بقوّة، ليتأوه بألم تحت ضحكات الرجال الشامتة. وحين نظر إليها كانت مغمضة العينين، كل ما يدلّ على يقظتها هو تلك العقدة الصغيرة بين حاجبيها الأحمرين.
ربّت على صرده بينما يهمس ساخراً" تبّاً ،هل هذه قبضة أمرأة أم محارب ".
كشفت أليانزا عن جوهرتيها اللامعتين وراقصت حاجبيها بمكر قائلة " إنها يد امرأة بالفعل، هل تريد تجريب قبضة المحارب؟"
قفزت عن الحصان لترنّ خلاخلها بنعومة ورفعت حاجبها بتحدي، إلاّ أنه ضرب كتفها بكتفه ليتخطاها ساحباً حصانه في الممشى الحجريّ الطويل، لتحكم امساك عبائتها الشتوية السوداء حول جسدها وتتبعهم بصمت ،تستمع إلى أحاديثهم الجانبية، وتستشعر مدى احترامهم لهذا الرجل.
القائد رومان... فحسب.
ما كنيته ،ما رتبته التي تعطيه هذه الهالة الثريّة وهذا الإحترام؟ لم تكن لديها إجابة. كل ما تعلمه أنه رجل شهم ونبيل، وغنيّ بكل تأكيد، ربما يكون ابن أحد حكّام قلاع ميراكيلا، او فارساً في الجيش ربما..
مع كلّ خطوة تخطوها كان صوت خلخالها الفضيّ يصدر نغمة ناعمة، وطفقت عيناها تجوبان المنظر حولها. غابات من الجانبين، بأغصان جرداء وأخرى ذات أوراق داكنة الخضرة. جذوع ضخمة، لحائها غريب كأنما تتربّص بالمارة. ومن خلف كلّ ذاك جبال الشمال التي تسابق بعضها بعضاً في العلو.
شعرت أليانزا بالخوف يدبّ في أوصالها فسارعت خطواتها لتجاري خطوات الرجال، وتنفّست باضطراب حين صارت قرب رومان الذي ألقى عليها نظرة طويلة دون أن ينبس ببنت شفة.
" لقد انتبهوا لوجودنا" قال هال بينما يشير بعينيه نحو قمّة الحصن العالي، حيث برزت عدّة رؤوس ملثمة وأيادٍ تحمل أقواساً توجهها نحوهم.
اومأ رومان لرجاله بالتوقّف ،ثم سحب ذراع أليانزا ليخفيها خلف هال، قبل ان يتقدّم نحو الحصن وحيداً على قدميه، ليسقط اللثام عن وجهه ويظهر وجه الأمير السابق لحراس القلعة.
أنت تقرأ
القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)
Fiction Historique📌 ركعت عند قدميه تتوسّل الرحمة، تطلب العفو والرضى فقط ليبقي على حياة أشخاص أبرياء. لم تشفع لها عنده جميع العَبَرات والتوسلات، كان جبروته أكبر من حبه لها ولم يتجشّم عناء إخفاء تلك الحقيقة. تراقصت أشباح النار على سور القلعة الحجري، علت صيح...