٨

43 10 32
                                    


             تعالت أعمدة الدخان واختلط رماديّها بلون السحاب الداكن، وبكت سماء الشتاء طيلة الليلة الماضية رثاءً لمجهود ضاع هباءً وما بقي غير حطامٍ أسود وسناج تذروه الرياح الباردة.

احترق منجنيق، وثانٍ وثالث. وكاد الحريق ان يضع نواجذه على الرابع لولا تدخّل فرسان الجوناري بقيادة الزينديلو بولدو ابن رئيس العشيرة.الرجل طويل القامة مفتول العضلات الذي قارب عمره للأربعين.

       جثى أدريان على ركبته قرب ركام سلاحه الذي كان قد وضع عليه آمال عظيمة، مرر أصابعه على السناج الأسود الناعم واكفهرّ وجهه أكثر حين ادركته خاطرة أنّ أورليا قد تهاجمه في أيّ لحظة وهو غير مستعدّ بعد لنفيذ خطته.

هل من الممكن أنّه تسرّع بإعلان الحرب عليها؟

أورليا تحكم قبضتها على ثلاثة جيوش منظمة، وأكثر من ستّ أساطيل بحريّة خطرة، إن لم يستطع دكّ حصونها فمعركته خاسرة. وإن لم ترَ الذهبية إمبراطوريتها تنهار أمام ناظريها فلن تنام قريرة العين قبل أن تقضي على آخر ثانيس في الوجود.

أفاق من شروده الطويل إثر شعوره بالضغط الطفيف عند أعلى ذراعه ما جعله يحرّك رأسه جانباً وتلتقي عيناه بعينين زرقاوين قاتمتين ووجه عابس. نقلت أليانزا نظراتها إلي الحطام البالي يحوم في وجهها طيف من الخيبة هامسة " أعلم أننا في ورطة ولكن، أدريان، إياك أن تنهزم أمامهم...".

أشارت بذقنها بطريقة سريعة نحو فرسان الجوناري عراة الصدور ذوي الخناجر المثبتة إلى خصورهم مردفة " إنهم محاربون أشدّاء، همج، لكن يؤمنون بالقوة. إن أردتهم في صفّك فتصرّف كملك وكفّ عن لوم حظّك والزمان"

ابتسم أدريان رغم غضبه واستيائه، واطمأنّ قلبه أنّ رأيه في أليانزا كان صحيحاً، هذه الفتاة تصلح ملكة، وكانت لتكون ملكة قوية وفطنة.

" كلماتك قاسية أختي، لكنك محقّة. قد أحتاج الهمج في مواجهة أورليا ريغتاريون، فبالنهاية لا فرق بينها وبينهم سوى تاجها الذي تختال به كالطاؤوس " بادلها الهمس قبل أن ينهض عن الأرض ويسحبها معه يساعدها على النهوض.

    كان فرسان الجوناري يحيطون المكان كقطيع من الذئاب يتربص بفريسة غضّة، يتجمعون في زمر صغيرة ويحدقون بالشقيقين الأصهبين بازدراء.

تقدّم الرجل الضخم يحمل بيده سلاح" كبينغا " الخاص برجال الجوناري، مقبضه من الخشب الأسود وتحمل نصله المقوّس الحاد خمس تماثيل فولاذية صغيرة لامرأة من إحدى أساطيرهم.

خلع الزينديلو قبعته ذات القرنين يتأبطها وأحنى رأسه بخفة قائلاً " نأسف لخسارتك أيها الأمير".

كانت لكنة الرجل ثقيلة كمن تعلّم الكلام لتوّه، ولكن بدى لأدريان أنه رجل يتحلى بكياسة البلاط، وإن كان بلاط الغجر.
وضع أدريان كفه على كتف أمير الهمج يرسل إليه ابتسامة ممتنة، فلولا جنوده ومجوده لكانت النار التهمت آخر أمل له في النصر.

القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن