٢٠

25 4 0
                                    

"هل أنتِ بخير؟ " سأل أرميوس باستنكار بينما يراها تتجرّع الكوب الرابع ربما من ماء الليمون، وجهها شاحب ومزاجها متقلّب منذ الصباح.

اومأت برأسها إيجاباً، إلاّ أن ملامحها الممتعضة أثبتت كذبها، وراحت تجمع الأوراق المبعثرة أمامها بعصبية، وتوضّبها في حزمة واحدة دفعتها بهدوء لتستقرّ أمامه.

كان اضطرابها واضحاً إذ أعادت شعرها خلف كتفها قبل أن ترخي جسدها على الكرسيّ هامسة " مجرّد ارهاق سيزول قريباً".

تمعّن ارميوس في الهالات الداكنة تحت عينيها والاحمرار الطفيف على انفها ووجنتيها. لم تكن كشخص مريض، بل كانت كشخص سيسقط مغشيّاً عليه في أي لحظة.

" لا أراه كإرهاق، أنت تحتاجين طبيباً" قال بخفوت، يرخي نظراته المتفحصة عليها، وهو ما أزعجها وزاد من سخطها وامتعاضها.

تجاهلته فحسب ،وسحبت جسدها لتقف عن الكرسي تسند يديها على الطاولة بينهما لتدعم جسدها المتهالك. وبغرور لا يناسب حالتها تلك قالت " طبيب؟ لا حاجة لطبيب، سأرتاح لما تبقى من هذا اليوم لنتحرّك غداً شرقاً".

رهاب الأطباء مجدداً....
تسائل في نفسه عن سبب هلعها من كلّ ما يتعلّق بالأطبّاء و العلاج.

اخذ نفساً عميقاً هو الآخر قبل أن يقف وبين يديه مجموعة الخرائط والأوراق، ورغم علمه بأن عنادها ينافس صلابة الحجارة الا أنه حاول لمرّة أخيرة قائلاً " هل أنتِ واثقة من قدرتك على تحمّل السفر في وضعك هذا؟"

" مابه وضعي؟ أخبرتك أنني بخير ولا داعي لأكرر هذا ألف مرّة، فقط أذهب ورتّب أوضاع الجنود ليكونوا مستعدين مع بزوغ شمس الغد ".

لم تمهله ليجادلها أكثر واختفت خلف باب الغرفة، تقبض على أطراف ثوبها بقوّة لتخفي ارتعاش كفّيها ،ويزداد وجهها امتعاضاً كلما شعرت بالقيئ يقفز إلى حلقها قبل أن يتراجع نحو معدتها.

ماذا يحدث الآن؟...

همست لنفسها تستنكر ردود فعل جسدها الغريبة، لقد بات ضعيفاً هشاً تطيح به أهون النسمات، وما يؤرقها هو أن يحصل القدر منها على انتقام لكلّ أولئك الذين عذبتهم وقتلتهم، ويكون جسدها قد بدأ التعفّن من الداخل كقصاص لكلّ إثم ارتكبته.

أسرعت بخطواتها في الرواق الفارغ حين تسلل البرد إلى أطرافها ليتسبب في شعور بالوخز عقبه الخدر. وبنهاية الرواق لاح ظلّ امرأة طويلة ترتدي قلنسوة كبيرة.

توقفت أورليا أمام الفتاة وهمست قائلة " ساعديني بارتداء العباءة، سريعاً".

بدى أمراً قاطعاً من ملكة غاضبة، وبسرعة أستجابت ميرلي لتحيط جسد الملكة برداء رماديّ داكن. أخفت أورليا خصلاتها الذهبية خلف القلنسوة الكبيرة وسحبت جسدها سريعاِ بين ممرات ضيقة مهمَلة، طرق سريّة قد باتت مساكناً للعناكب والزواحف والجرذان ،ممرّات وحدهم آل ريغتاريون يعرفونها وها قد زاد العدد فرداً جديداً، الوصيفة ميرلي.

القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن