في ميناء مملكة المنارة العظيم _حيث روائح الرطوبة والملح والسّمك _ رست سفينة عظيمة الحجم بمئة مجداف يضرب وجه البحر كالصواعق، ترفرف من فوقها أشرعة كلحاف السماء رمادية قاتمة.
بدى المنظر جليلاً وقد غادر جميع البحّارة سفنهم وقواربهم واحتشدوا في جمع غفير يشاهدون المرساة العملاقة تغوص عميقاً، وقد تسبّب رميها بإرتفاع موجة غسلت الممشى الخشبِيّ القديم.
ارخى البحّارة الأشرعة وثبّتوا السفينة ولم يتأخروا بمدّ جسرها الخشبيّ نحو الممشى الذي يخترق الساحل الأسود. علا هتاف الرجال والصفير عندما ترجّل رجل يلتحف السواد عن ظهر السفينة، يمشي بخطىً واسعة مغرورة تكاد لا تسعة الأرض من فرط غبطته.
عندما قطع الممشى الطويل بانت ملامحه بوضوح، وجهه الذي لوّحته الشمس بلون أسمر داكن ولحيته المشذّبة، وعندما ابتسم إلتمع سنّ ذهبيّ براق بينما اختبأت عينه اليمنى خلف رقعة قماش سوداء.
وقف الرجل امام الجمع وولّاهم ظهره ينظر إلى سفينته العظيمة بفخر، وقد كانت إشارة صغيرة من يده قبل أن يهبط احد بحارته من على السفينة يسحب خلفه حبلاً قد عقد وثاقه حول أعناق عدد كبير من الرجال والنساء وحتى الأطفال.
واحد، اثنان، ثلاثة.... ثلاثمئة !!!
ثلاثمئة رهينة جاؤوا بها من عرض البحر، ثلاثمئة عبد وأمة أضيفت إلي رصيد المنارة.
" ثلاثمئة فم جائع جئت به إلينا، اي مصيبة أنزلتها علينا أيها الربّان راندل؟" صرخ الأميرال عندما علم برهائن الربّان الجدد، الذين أتى يجّرهم خلفه كقطيع من الخراف، غير آبه برأى حاكم المقاطعة أَو الملك حتى.
استمرّ راندل بغرز سكينه على خشب المكتب أمامه وأجاب دون إكتراث لحضرة حاكم المقاطعة، قائلاً " وما ذنبي أنا إن كان البحر ينجب الجُزر من العدم؟ كلما غزونا جزيرة وجدنا غيرها عشراً".
كانت الغزوات قد استمرت لخمس سنوات متتالية وكلما غابت " ذات القرون العشرِ" في عرض المحيط لبضع شهور عادت محملة بالذهب والخزف والبلاء المسمى بالعبيد.
بدا انّ الرجل بدأ يفقد صوابه حين نهض من على كرسيه يشدّ شعره البنيّ الأشعث قائلاً " من أين سنطعمهم؟ "
" هذا البحر مليئ بالأسماك" اجابه راندل مبتسماً دون أن يكفّ عن إتلاف الخشب التالف فعلاً.
صمت الأميرال واندل لهنيهة تمالك فيها رباطة جأشه، جلس على كرسيه مجدداً ونظر إلي الربّان متحجْر الرأس يحاول الحديث إليه بهدوء أكبر علّه يفهم حجم المصيبة التي يجرّها على المملكة بأسرها :
" ان استمررت في جلب العبيد إلي هنا فحتى أسماك المحيط ستنفد قبل أن اطعمهم جميعاً "جاراه راندل في صمته قبل أن ينفجِر ضاحكاً مجيباً بسذاجة " أطعمهم السرطانات إذاً " ثم نهض يدسّ سكينه بجيب سراويله قبل أن يغادر بدون استئذانٍ حتى.
أنت تقرأ
القرن المظلم : عواصف الشتاء.( مستمرة)
Historical Fiction📌 ركعت عند قدميه تتوسّل الرحمة، تطلب العفو والرضى فقط ليبقي على حياة أشخاص أبرياء. لم تشفع لها عنده جميع العَبَرات والتوسلات، كان جبروته أكبر من حبه لها ولم يتجشّم عناء إخفاء تلك الحقيقة. تراقصت أشباح النار على سور القلعة الحجري، علت صيح...