ارتدت ملابسها و جهزت نفسها، ثم وقفت تسرح شعرها أمام المرآة رافعة إيّاه كذيل حصان..
أحست بالتوتر الشديد، فهذه المرة الاولى التي تقابل فيها خطيبها..
حينئذ طرق سمعها صوت طرقات خفيفة على باب الغرفة ، ثم سمعت والدتها تستحثها قائلة:" درة! هيا اسرعي، الرجل ينتظرك!"
زفرت وهي تطالع نفسها بالمرآة، ثم تراجعت الى الخلف و ألفت الى الباب تفتحه، فاستوقفتها والدتها قائلة:" لماذا ارتديت هذا الجينز! و لما رفعت شعرك! أ هكذا ستخرجين في أول موعد مع خطيبك!"..
اجابت دون مبالاة:" لا يهم !" ..
عادت حيث كانت و حملت حقيبتها ثم خرجت الى بهو الحديقة حيث كان ينتظرها شاب طويل القامة خمرية البشرة، هادئ الملامح ..
تأملها مالك بعينين عاشقتين، فقد كانت مطع الصبا و المراهقة، ولم يعتقد للحظة أنها ستوافق عليه بهذه السرعة، فهو بالكاد حادثها حينما كانا يلتقيان أمام بوابة المعهد الثانوي، حين كان يصطحب شقيقته بسيارته الفارهة..
لم تكن كباقي البنات، لم تحاول لفت انتباهه أو مجاملته حين كانت تلتقي بشقيقته، كانت تحط عليه كنسمة باردة تثلج حواسه و تجعله يتدله فيها رغما عنه فلا ينبس ببنت شفة..
ودعت درة والدتها و تطلعت اليه مرتبكة فهي تعرفه و لكنه كان غريبا بالنسبة اليها، فرغم الصداقة التي تجمعها بشقيقته ، الا انها لم تحاول يوما ان تسأل عنه و تتعرف عليه..
تقدم أمامها ليفتح لها باب السيارة ثم اشار لها بالصعود ...
كانت اناملها تعصر مقابض حقيبتها ، فانتبه الى ذلك ، فارتبك و احس بعصبية و توتر لم يشعر بهما قبلا تجاه انثى..
حمحم مبتعدا كي يسمح لها بالدخول ثم أغلق الباب بعد أن جلست في مكانها..
صعد السيارة و ربط حزام أمانه، و حين أدار المحرك صدح صوت المنبه ينذره بأنها لم تضع حزامها..
حدثها قائلا:" درة ! الحزام!".. لكنها لم تنتبه إلى ما قاله فقد كانت شاردة الذهن، عيناها ساهمتان في مكان ما بعيدا عنه.
تردد كثيرا قبل أن يقترب منها فقد كانت كأنها تسبح في عالم آخر..
اقترب منها و مد يده كي يسحب الحزام، ففزعت من قربه، وهتفت جزعة و هي تلتصق بظهر الكرسي:" ماذا تفعل!"..
تراجع إلى الخلف قليلا و ابتسم لها و قال مازحا:" اهلا بعودتك!" ..
ثم استطرد قائلا:" فقط سأضع لك حزام الأمان!".
نظرت إلى زاوية الباب المجاور لكرسيها و سحبت طرف الحزام بتوتر فعلق ولم يبرح مكانه، عافرت تعنته فأبى أن يتزحزح...لم تشعر به وهي في خضم ربْكتها يراقبها و على شفتيه شبح ابتسامة، فقد كانت خجلة، تحاول الهرب منه و كان هذا ما شده إليها أكثر..
قال لها مهدئا:" انتظري.. انتظري ! اسمحي لي بأن أساعدك!"..
ابعدت درة يدها عن الرباط الجلدي الأسود، فمد كفه يسحبه بقوة .
قال لها بينما يدير المحرك:" أين تريدين الذهاب؟ هل عندك مكان ما تفضلينه؟ "..
اجابته بصوت متحشرج:" لا، ليس لدي!"..
نظر إليها نظرة خاطفة، ثم عاد يتابع قيادته..
خاطبها قائلا محاولا إذابة الجليد بينهما:" لم أعتقد أبدا أنك ستوافقين!"..
سكتت و لم يجد منها تفاعلا... فأضاف بابتسامة كللت شفتيه:" ما كان شعورك!".
اخفضت درة بصرها و أحست بالحرج منه فقد كان جليا فرحته و تعلقه بها..
أجابت بتردد :"أأ.. أبي وافق!"..
ارتبك مالك من جوابها، فتساءل قائلا:" أهذا كاف!"..
أومأت برأسها دون أن تجيبه و لم تزح نظراتها عن قبضتها المتكورة بعصبية..
فأشاح بصره بعيدا عنها و لازم الصمت للحظات ثم أردف قائلا:" ألا تريدين الزواج؟"...
فقط ما وصله منها صمت ثقيل.. فأضاف بتردد:" هل هنالك.. رجل آخر؟"..
بادئ الأمر تنهدت بعمق و ضلت صامتة ثم دون أن تشعر التفتت إليه و اصطدمت عيناها بعينيه، فخفضت بصرها، و حمحمت قبل أن تفرج شفتاها عن بضع كلمات:" هذا غير مهم!".
ابتلع مالك غصة تحلقت بحلقه، فآخر شيء توقعه أن تكون مجبرة على الزواج منه..
أردف إليها بشيء من الحيرة:" ما اعتقدت أن أمرا مصيريا كهذا غير مهم بالنسبة إليك!"..
لم تعلق بل تمسكت بصمتها، فزفر من شدة التوتر و قال:" أ تريدين مواصلة مشوارنا أم نعود؟"..
همست:" كما تريد!"..
فابتسم وهو يقول محاولا تغيير الاجواء :" ما أريده قد لا يعجبك!".. لكنها لم تعلق..
قاد السيارة بهدوء نحو طريق الكرنيش ثم ركنها الى جانب الرصيف وقال:" هيا نحتاج هواء منعشا ... لنتمشى !"..
سحب لها حزام الامان فنزلت و وقفت تطالع موج البحر المنكسر بخجل على الصخور..
وقف مالك الى جانبها و تحدث قائلا:" أليس جميلا منظر البحر!"..
أومأت برأسها دون أن تجيب، فواصل حديثه قائلا :" أشعر بالجوع.. ما رأيك أن نشتري سمكا طزجا بغرض الشواء ؟" ..
أجابت :" كما تريد!"
التقت عيناها بعينيه ، فانفجرا ضحكين و قال ملطفا الأجواء بينهما:" ستندمين على ما أريد!"..
أخذ الأمر بينهما يتحول شيئا فشيئا الى حوار لطيف، جعلها تهدأ و تتقبل وجوده..
في حين أخفى خيبته منها، فهي لم تكن تحبه كما ظن قبلا، بل صدم حين أيقن أنها لا تعرف عنه شيئا، بل هي حقا لا تبالي...
وقد أزعجته الحقيقة و أغاضته جدا صراحتها الفجة فصدقها البيِّن تجاهه جرح رجولته فهي كما صرحت لم تفكر فيه يوما كزوج أو صديق...
أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
Romanceألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني