الفصل 11

133 8 1
                                    

تقدمت هناء صوب قاعة الجلوس تختال بجلبابها الليموني الأنيق كما اعتادت، بهدوء ينافي طبول قلبها..
دخلت المجلس، ثم توقفت فجأة حين رأت خصلات شعره من وراء ظهر الكنبة الفخمة، فرفرف قلبها فرحا، تقدمت نحوه بضع خطوات و حمحمت كي تثير انتباهه...
كان كعادته هادئا، لا يظهر على وجهه شيء مما يبطنه، غير برود مستفز ورثه عن عمه "علي"! ..

كان جفاؤه نحوها أشد قهرا و وجعا من كل ماعنته، فمنذ وفاة والدها ثم من بعده زوجها الثاني " شافع"، أجبرتها الظروف على العودة هنا و العيش داخل عش الدبابير...

لا تدري كيف مضت الأيام سريعة، كانت سنة و نيف، و قريبا تغلق أبواب سنتها الثانية، كالغريبة عاشت بينهم، منبوذة من قبل ولدها الوحيد..

لم يؤثر ذلك عليها، فقد كانت تعلم جيدا وسوسات ذلك الشيطان "علي" و مدى سطوته عليه ..

كثيرا ما سمعت عن جبروته و عن قذارة أفعاله أيام شبابه، ثم خبرت دناءته تلك الليلة حين استباح مضجعها دون أي إعتبار لشرف أخيه أو غيرة على عرض عائلته...

حتى صار لها العدو اللدود و كلما مرت الأيام، كلما اتسعت الهوة بينها و بين وحيدها فيتضاعف كرهها لذاك الخسيس..

جلست قبالته على الكرسي، و نظرت إليه مطولا عله يخطئ فتلتقي عيناه بعينيها الجريحة الجائعة لنظرة منه.

لكنه كان أعند من البغل!...

شتمت في سرها وهي تهرب بنظراتها عن علي حين اصطدمت بهما:" اتمنى أن تختنق بدخان أرجيلتك أيها اللعين!"..

تشابكت كستنائيتاها بخاصته مرة أخرى ، فظنت أنها رأت غمزة و ابتسامة شيعهما لها من وراء دخان أرجيلته كمراهق حقير!..

علا صوت أزهار وهي تدعو زوجها و صهرها إلى الإفطار متجاهلة وجود هناء التي استكانت في مكانها جامدة، تتابع بألم مرور ولدها دون أن يكترث لوجودها و دون أن يحدثها أو حتى يدعوها إلى السفرة.

توقف علي للحظات يراقب بأسف رمشيها الكثيفين، يلتهمان جسد ذاك الروبوت الإنسي الخالي من المشاعر..

هتف بصوت جهوري جازرا عامر بقول شديد:" أنت .. يا ولد! أ لن تدعو والدتك إلى السفرة!"..
تجاهل الأخير النظر إليها و لكنه استجاب إلى أمر عمه ببرود مثلج جعل دعوته المهينة تنزل عليها كالصاعقة بينما يجيب:" السفرة هناك إن أردت الأكل!".

أحست عندئذ بنزغة قوية مزقت صدرها فتكتلت أصابعها تضغط موضع الألم بقوة..

اقترب منها علي بتؤدة و همس إليها بصوت مثخن بينما تلثم يده أناملها المقبوضة:" لو تزوجنا ! ربما كان اختلف الحال بينكما!"..

تمتمت بصوت أرادت أن يصل سمعه:" كنت قتلت نفسي قبل أن أتزوج شيطانا مثلك!"..

تغيرت ملامحه بسرعة البرق فلاح لها ذاك الوجه المخيف الذي خبرته قبلا تلك الليلة فبعث في قلبها الرعب..

رواية لا ترحل !.. ®  بقلم درصاف الذيبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن