الفصل 13

98 6 1
                                    

لقد انطلقت الصائفة مبكرا هذه السنة، فالأيام باتت تتسارع دون رحمة، تطوي الأعمار طيا، تنحت على صفحات القلوب أخاديد قدر مليء بالحيرة و الغموض، وهي كذلك، لم تشعر بحلول شهر يونيو، فقليلا ما كانت تخرج،  تلازم البيت أغلب الوقت متعللة بشدة القيض و تأثرها الشديد بالحرارة.
تمددت ثريّه في سريرها لساعات و كانت بين الفينة و الأخرى تتململ مصدرة صوت همهمات خافتة، تسكن من بعدها جالسة على ظهرها وهي ساهمة في سقف غرفتها، و قد اغرورقت عيناها بعبرات صامتة.

لقد أحبّته بصدق وأعرضت عن كل تحذير قابلته من أمها  و لم تستطع بذكائها  أن توازن الأحداث من حولها، ورغم العمى، فقد خالجها ذات الشعور المضني  و الحاد، أخبرها أنها ربما ، ربما تسرعت و جعلت كل ما بينهما أعمق لدرجة أنها لا يمكنها طمر كل تلك المشاعر و الأحاسيس و الأوهام.

تسللت أناملها المرتعشة من شدة التوتر و حطت يدها أسفل بطنها فانكمشت أصابعها حول اللحاف و أحكمت عليه بقوة..
تقلبت يمنة، ثم يسرة وهي تشعر بجسدها كأنه  يستوي على جمر مشتعل، و كان عند شقّ الباب الموارب عين رقيبة لم يغمض لها جفن، تراقب سحنتها الباهتة الشاحبة و رعشة يدها الغريبة و ألف سؤال و ألف جواب يتلون على وجهها الممصوص ...

يا ويلها إن أعاد الزمن نفسه!..

وهي على تلك الحال الشاحبة، تنام كالموتى و كأن صورتها تنعكس مصغرة أمامها ، تومض بماض ظنت أنه لن يعود أبدا..

زحفت دمعة سخية، ألمعت في مخيلتها أياما من الأبيض و الأسود و حمرة قانية لوثت براءة شفتيها!

آه آه !
آهات ولهٍ و حرقة و حمرة عنّابية، صرخات ألم من رحمٍ فتيًٍ، و عبرات فاحِمة من عيون واسعة كحيلة و ألف آه على فستان منفوشة مزهر، ذبلت بتلاته و شاخت أيامه من شدة الندم..
زورت عيناها أحد كتفيها و كأنها ترى ظفيرتيها الطويلتين ثم و كأنها تستظل بظل شجرة وارفة، تراقب عقارب ساعتها البسيطة، و لهفة الإنتظار بادية عليها...

كم كانت حمقاء حينها!..

تراجعت إلى الخلف و أسندت ظهرها بتعب إلى الجدار ..
بل إلى جذع  تلك شجرة و هي مازالت تشعر بأنامله الطويلة، تتسلل بخفة تحيط خصرها الرفيع جاذبا جسدها الرشيق نحو صدره، هو يهمس بصوت رخيم:" لو تعلمين شوقي إليك!"..

ابتسمت خجلة و قالت:" حقا.. أ تشتاقني !"..
دفعها قليلا ثم أدارها إليه و رفع ذقنها في حين أن عينيها كانتا لا تنظران إلا إليه تلتهمانه بشغف و ولهفة..
رد دون جواب:" ... إنه .. كذلك!"..

حمحمت بينما تشيح عينها عنه و قالت:" أتظن أن والدك سيرضى!"..

أجاب سؤالها بسؤال :" والدي؟!.. "
أردف بهمس:" المهم أنتِ!"..

توردت وجنتاها خجلا وهي تردد جوابه بسذاجة :" أ أ أنا!"...

تلك الأنا، اللعنة عليّا أنا!...

رواية لا ترحل !.. ®  بقلم درصاف الذيبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن