دخلت دليلة الغرفة بهدوء، و بحثت عنه فوجدته خلف سرير مريم على سجادة الصلاة يناجي ربه.
أغلقت الباب خلفها و تقدمت نحو الطاولة تضع ما بين يديها فوقها ثم جلست بتعب على الأريكة بينما كان فتحي يشهد تشهده الأخير و يسلم.
التفت إليها و حدق فيها للحظات، فقاطعت تأمله الغريب قائلة:" تقبل الله صلاتك و صالح أعمالك!".
صمت بادئ الأمر وكأن شيئا ما منعه عن الحديث ثم استوى واقفا على قدميه ساحبا معه سجادة الصلاة وهو يجيبها بصوت مبحوح:" منا و منك الأعمال الصالحة!".
تقدم نحوها ثم جلس بجانبها و قال:" أين كنت؟".
أجابت وفي صوتها مسحة خوف و ارتباك فسحبت الكيس أمامها و أخرجت منه الطعام قائلة:" كنت بكافتيريا المستشفى ، أحسست بحاجة لأن أتناول قهوة و أنزوي مع نفسي قليلا كي أنظم أفكاري و ..".
سألها :" كنت معه أليس كذلك؟!".
ارتبكت وهي تنظر اليه وحين همت بالحديث، قاطعها بكلمات حاسمة:" لن تعود إليه .. و لو كان آخر رجل في الدنيا!".
ثم استطرد وهو يشيح عينيه عنها قائلا بغضب :"الذي يزرع الفتن بين شقيقتين لا يؤتمن أبدا على أسرة".
تفاجأت دليلة من حديثه وردت بسرعة:" استهدي بالله يا فتحي، إياك و سوء الظن فقد تظلم أرواحا بريئة و حينها لن تستطيع النظر في وج...!"
قاطعها بحدة وهو يهمس قائلا:" لا يوجد دخان دون نار!".
و استطرد معقبا كلامه بخبر جعلها تفقد رشدها:" اعلمي أن هنالك من تقدم لخطبة درة... شاب ميسور الحال و والده صاحب محلات خزف شهيرة في المنطقة السياحية بنابل و ...".
همست بغيض:" الفتاة تدرس يا فتحي .. كيف ستتزوج!".
أجابها بحدة :" تتزوج ... تتزوج! ومن ثم ترى ما ستفعله مع زوجها، إن قبل أن تتم دراستها فلتفعل و إلا فلتغير اختصاصها!".
أشاحت دليلة وجهها عنه بغضب وهي تردد:" الله يهديك ! الله يهديك! ما هكذا تحل الأمور..".
دفع بالأكل بعيدا عنه و وضع وجهه بين كفيه يزفر قائلا:" استغفر الله ... استغفر الله و أتوب إليه".
*****************************
استراحت وهيبة في مقعدها ثم شيعت عينا فاحصة نحو جسده المديد فقد كانت تنتظر صعوده السيارة بعد أن استأذنها لإحضار شيء ما نسيه بغرفته. أمسكت عكازها الطبي بيد ها و أراحت عليها ذقنها فقد كانت مثقلة بهموم جعلتها تسهد اليالي الماضية، و بقيت أناملها تدك زر المسبحة الإلكترونية دكات مسارعة فرط التأثر.
على حين غرة، صعد بها سابع سماء ثم القاها منها الى سابع أرض حين أعلمها عن عزمه خطبة ابنة أخيها، و لم يكتف بذلك بل سرع موعد الزواج فجعله آخر الشهر.رفعت بصرها نحو الباب حيث كان واقفا يحكم أغلاقه، رأته ينزل الدرج متهدل الأكتاف ثم يسحب وراءه باب الحديقة.. لم تغفل حواسها عن شحوب وجهه فقد كان كمن يساق إلى مصقلة الإعدام.
حركاته و انفعالاته الأيام الماضية اربكتها فلم يكن ذلك الخالد الرصين الذي يحسب له الجميع ألف حساب بل كان كمراهق، يتهربة منها و من كل شيء حتى من ذلك تعمد مرارا غلق هاتفه الجوال في وجه ذلك الرقم الأجنبي ، كما لاحظت شحوب سحنته وهو تصفحه لبعض المراسلات المتواترة. وكم لفتتها عصبيته حين تقع أنامله على لوح شاشة الهاتف يحذفها دون أن يترك أثرا لتلك الكلمات التي كانت جلية بأنها رجاء عاشق.
أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
Roman d'amourألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني