الفصل 2

181 7 3
                                    

ظمور العقل و ضيق البصيرة لا يعدو أن يكون إلا عمى في القلب، و كل تلك الشكوك السافرة لا تعدو أن تكون إلا اجحافا في حق الشخص مع نفسه قبل الآخرين..

حدق أشرف إليها مطولا وقد زاغت عيناه إلى تفاصيلها الرقيقة و الهادئة تتفحصان ملامحها التعيسة...
حقا إنها حزينة، هكذا فكر و هو يتمعن شحوبها و ذبولها الواضح من ملامحها الباهتة..
تنهد زافرا شحنة عارمة من الألم و خرق السكون المحيط بهما قائلا: "
هل أنت متأكدة، أنك لست جائعة؟...
لم تتناولي شيئا منذ صعودنا إلى الطائرة! "..

رفعت بصرها اليه تتفرس ملامحه المستاءة، تنفست بعمق كي تكبح جماحها و تلجم ثورتها التي كادت تنفلت من عقالها و تنفجر من مساماتها و عروقها و مقلتيها الناريتين..
أطالت النظر إليه دون أن تدرك جوابا مناسبا ولم تجد غير التهكم سبيلا للتنفيس عن غضبها و الرد على سؤاله الذي أراده حريصا على غير عادته منذ جلوسهما:"

غريب!..
ليس هنالك من داع لإظهار اهتمامك... فجميلتك الصغيرة غير موجودة!.. "..

عقد أشرف حاجبيه و سألها بغموض:" ماذا تقصدين ب " جميلتك الصغيرة"!..
أشاحت بصرها بعيدا عنه و قوست شفتيها دون اجابة راسمة على ثغرها ابتسامة ساخرة..

فما كان منه إلا أن ضرب بكفه سطح الطاولة فاهتز فنجان القهوة أثر اللطمة و اهتز معه جسدها وجلا من رده الغاضب...

قال من بين أسنانه دون أن يهتم إلى النظرات المحيطة بهما:"
لا تحاولي استفزازي مريم!...
لأن جوابي لن يعجبك بالمرة!..
أنا أحذرك!!.. "..

تجمد بصرها بعيدا عنه وقد تكورت غصة في حلقها منعتها عن الصراخ ولمعت عيناها ألما و حسرة مطفئة رغبتها الثائرة في مواصلة الهجوم..

هكذا صارت معه، كجندي مستقدم من بلاد اخرى، يدافع عن وطن ليس بوطنه مغلوبا على امره..
وهكذا أصبحت ردوده منذ تلك الليلة، قاس، بارد و جارح كنبال السامة، يشل أنفاسها برنة صوته، فتفقد سيطرتها على أنفاسها المتهدجة، وهي تكابدها الآن بذات المشقة و بالكاد تحاول الآن السيطرة على هباتها المستعرة كي لا تنهار و تبكي..

ودون أن يعبأ برفضها أشار إلى النادل مرة أخرى، أوصى إليها عصير البرتقال المفضل لديها و قطعة من كيك..

أحضر النادل طلبه، و وضعه على الطاولة قبالتها...
خاطبها بحزم وهو يدفع كأس العصير إلى يدها:"

خذي...اشربي!..".

حدجته بعينيها الساخطتين و أشاحت وجهها بعيدا عنه قائلة:" لست جائعم م م.."..

لم تنتبه حينها الى يده التي امتدت اليها تحشر داخل ثغرها قطعة من الكيك و هو يتوعدها قائلا: "
كلي.. وإلا!..
أقسم يا مريم!..
أقسم...
أن ما سأفعله لن يعجبك!!..
فهمت يا ميومتي الصغيرة!".. سحب يده عن فمها يتبعها بكلماته الصارمة.

رواية لا ترحل !.. ®  بقلم درصاف الذيبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن