جلست وحيدة في انتظار عودة اختها و صهرها، يحيطها زحام المسافرين الذين أهلوا بأرض الكنانة..
أسندت ذقنها على كفها باسطة ذراعها بملل فوق سطح الطاولة، تستجلي العيون الحائرة و تستنطق الوجوه الغريبة المحيطة بها و أمعنت النظر حولها علها تظفر بطلة صديق صهرها بين حشود الغفيرة، فقد باتت تشك في أمر قدومه..
انتبهت فجأة إلى نظرات عميقة من شاب كان يتفرس ملامحها بعينين مشككتين.
وقف بركن قصي بعيدا عنها،اعتقدت بأنه من الامن المدني بالمطار..
صوبت نظراتها الحائرة إليه تتفحصه بالمثل بعينين مرتابتين..
تشابكت نظراتهما مرارا وتكرارا..
انتبهت إلى حركة جسده الفتي وهو يتقدم صوب المقهى و ايقنت انه يتجه نحوها حيث تجلس.
رجل فارع الطول بملامح عربية وسيمة، لفتت انتباه بعض السائحات من حوله..اقترب منها بتؤدة و وقف عند طاولة، بدت عليه الحيرة حينما خاطبها قائلاً:"
عفوا!...
هل أنت ..
الآنسة درة؟ "..نظرت إليه بذات الإرتياب عاقدة حاجبيها تسأله بارتباك:"
هل أنت الدكتور سعد!..
أليس كذلك؟!".اتسعت ابتسامته و قال بخجل وقور:"
نعم!
آه. ه... الحمد لله أني عثرت عليكم".وقفت من مجلسها تحييه مرحبة ساحبة في آن حقيبة يد أختها من الكرسي المجاور لها قائلة: "
أهلا أهلا!..
تفضل..، "سي سعد"!..
إجلس، فصهري و أختي على قدوم..
لن يتأخرا!".سحب الرجل الكرسي و جلس بجوارها وقد زادت ملامحه خجلا وارتباكا..
مرت لحظات على رفقته أحست بغرابتها و مع مرور الدقائق أثار الرجل حفيضتها وهو يأنسها برفقه الهادئة التي لا تتماثل و ما بلغها عن طبيعة أهل هذا البلد..لم يجرأ سعد على كسر الصمت خاصة مع تضاءل أعداد المسافرين في محيط مقهى المطار، فقد كان أبلغ همه حضور صديقه و القيام بواجبه على أكمل وجه و مراعات الأصول...
مر الوقت بطيئا، أحست فيه بملل فضيع ورغبة عارمة في مناكفة هذا الغريب الذي بدا لها مصطنعا و بعيدا عن هالته الوقورة و أحست بانزعاج مربك خاصة بعد تأخر أختها و صهرها..
لم يكن حاله أقل منها توترا فكان بين فينة و أخرى، يرفع عينا فاحصة مستكشفا ملامحها الغريبة ثم و كأنه يعي لنفسه فيشيع نظراته بعيدا عنها متحرجا...
تتبعت درة تصرفاته، ولم تغب ردوده عن ناظريها وهي تزعم بأنها لا تمت بصلة بهيئته المغرية فمنذ جلوسه على حاله المتقلبة يحاول الهرب بعيدا عن مرمى شهلاوتيها كلما التقى بهما...
لم تهدأ أنامله العصبية عن العبث بعلاّقة مفاتيح سيارته..
لقد كان رجلا صامتا بحق حتى ظنت بأن خللا ما أصاب أذنيها فتوهمت سؤاله و سلامه وهو عاكف عن الكلام !..لم تقدر على ضبط تعابيرها فحدقت فيه متعجبة ثم تفرست تفاصيله المصرية المميزة و بدا لها بأن هالته الخجولة مصطنعة حقا و أبعد ما تكون عن حقيقته الكامنة وراء وجهه البريء!..

أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
Storie d'amoreألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني