قاد سعد سيارته، بعيدا عن زحام بوابة الكلية ثم انطلق في طريقه بتؤدة و استرسل قائلا:"
إذا...يا بنات! كيف كانت أجواء المحاضرات؟ هل وجدتما مكانا مناسبا للجلوس!"..أجابت درة وهي تسند رأسها إلى جانب ظهر مقعد صديقتها:"لا تذكرني بذلك الزحام و لكن الحمد لله، تدبرنا أمرنا و جلسنا في المدرج الأول و تابعنا الدكتور المحاضر بكل يسر..؟"..
ثم أردفت تسأله:" و أنت؟! هل استلمت العمل اليوم؟!!"..
التفت إليها مجيبا بثغر باسم:" ليس بعد!.. غدا إن شاء الله.."..
ثم هتف محدثا صفاء:"
-و أنت يا "صفصف" لم تخبريني، كيف كان يومك ؟! "
........."هاه ه ه.. م م ماذا؟؟!.."،
مهمهت وهي ترفرف جفنيها بعصبية شديدة بعد أن انتشلها من شرودها فأشاحت نظراتها بعيدا عنه محدقة بالفراغ ثم قالت بٱرتباك واضح:" عادي!..
احم .. احم.. كما أخبرتك درة!"..نظر إليها شزرا و خفف السرعة استجابة لإشارة المرور الضوئية الحمراء، ثم تابع مراقبتها بنظرة المرتاب التي كانت واضحة على ملامحه الودودة.
تنهد دون أن ينبس بكلمة و بقي مترقبا للحظات ثم فاجئها قائلا:" هممم ... أشعر بأن هنالك أمرا ما قد حدث و عكر مزاجك؟ هل ظني في محله؟!"..تعثر لسانها و التفتت نحو صديقتها مرتبكة فأشارت لها درة بعينين مزرورتين وكأنها تحذرها عن الزل و البوح..
لقد مضت الساعات ثقيلة على قلبها، و كم عبثت بتفكيرها كل تلك الهواجس فكدرت فرحة أول يوم و أعادتها قسرا إلى مخاوفها المدفونة في سراديب ذاكرتها..
لم تقدر على الهرب والذود عن وميض نظراته الهادئة الباردة، كانتا تحملان عزما لشيء غامض أحست بأنه يخصها، كما أنها أيقنت فطنة حادة اتقدت من كلماته الموزونة..
استرقت النظر إلى سعد، و كان مترقبا في صمت، ينتظر منها جوابا...
تنهدت و هتفت أخيرا و قد وشحت ثغرها بابتسامة خجولة:" لا.. لما التوتر !!.. بالعكس!..
استمتعت.. استمتعت كثيرا ثم أنت تعلم كم حلمت بهذا اليوم.. و الحمد لله، قد تحقق.."..أطبقت ثغرها و تنفست بعمق و عادت تستطرد بلطف:" ثم تعرف .. أنا لا أتناول شيئا في الصباح.. أظنني أعاني قليلا من الخمول بسبب انخفاض مستوى السكري بالدم.."..
هلل بلوم:" الله.. الله.. أيتها المستهترة!.. كيف تهملين وجبتك الصباحية!! طبعا .. طبعا.. لست الملامة..
العتب على من ساعدك على دخول كلية الطب! ".
واستمر في تقريعه:" ماذا دهاك يا فتاة؟! ستصبحين طبيبة و إلى اليوم لم تغيري هذه العادة السيئة عليك تناول شيء و إلا كيف ستقاومين إجهاد السهر على الدروس و العمل الليلي بالمستشفيات.."..كانت درة خلفهما تراقب حوارهما، و لا تعلم لما راودها ذلك الشعور الغريب، فصفاء لم تكن على سجيتها، بل كانت شاردة الذهن و مهمومة و هذا ما أثار مخاوفها بينما تتفرس ملامح صديقتها الشاحبة...

أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
Romanceألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني