لم يكن هذا المساء كغيره من الأمسيات، بدا اليوم تعيسا تترنم نسائمه موشحة بآهاتها، معزوفة حزينة تشهق من جوف صدرها فترددها جدران غرفتها الخاوية.
لقد رحلا سويا منذ سويعات قاصدين المطار، واختارت عدم مراقتهما، ملجمة توسلاتها و رغبتها اليائسة في طلب مؤانستهم.
اكتفت فقط بوداع صهرها من وراء الباب فتلك الجحود، أبت ضمها إلى صدرها و استعجلته و رافضة مزيدا من الإنتظار ..
**************لم ينتبها إلى الوقت الذي ولى مسرعا، مطحونا بمشاعره و أفكاره الشرسة، فكل منهما بدا جامدا و دون حياة، مهمومين و تائهين عن بعضهما كأوراق شجرة زاغت عن فرعها و مشتتين بين جمع غفير ملأ على أرض المطار..
هكذا... انقطع الوصل بينهما مذ اقسما قسم الوصال، يقفان متباعدين و كأنهما غريبان، يسترقان النظر بينما يُتمّان تعمير أوراق التسجيل ثم يودعان الحقائب عند مصلحة الحرفاء.
استقاما متباعدين عند صف الجمارك، لقد أجبر نفسه على جفائها متجلدا ببرود شديد الحزم و قسوة لا يعلم مأتاهما و اكتفى فقط بالنظر أمامه دون أن تحيد رقبته ولو لمرة نحوها.
لقد اقنع نفسه بأنها استنزفت جميع فرصها و اعدمت الكثير من الأعذار و قتلك كل الميررات.
تعزز داخله قرار و نفور عميق و مشاعر إشمئزاز، تطرّف فيهما حتى طغت على وجودها و أنسته بأنها هنا تقف إلى جانبه، حتى أنه لم يكلف نفسه حرج الإلحاح على مسؤولة فرع شركة الطيران بأن تجد لهما مقعدين متجاورين..." لم الغلبة و الإحراج؟!. "، حدث نفسه:" كانا متباعدين من الأساس".
استلم كل منهما جواز سفره بعد أن تمت طباعته بتأشيرة الخروج و انتقلا و جموع المسافرين إلى صالة. الانتظار و من ثمة الى بوابات الصعود و يستلم كل واحد مقعده الخاص في الطائرة..كان الليل قد اسدل ستائره البهماء حينها ، تنهدت مريم ملء صدرها نافثة همها المتراكم و أحكمت أناملها وهي تشد حزام الأمان حول خصرها ثم تتمسك به أكثر.
انها ستقلع و هذا يوترها أكثر، لقد مرت الدقائق ثقيلة، و هي وحيدة في مجلسها..
كان من الممتع لها أن تجلس إلى جوار الفتحة الشباك و تراقب صعود الطائرة السريع الهادي لو كان إلى جوارها.."انظري!.. الوقت يدفن كل شيء!.. حتى اللحظات الجميلة".حدثت نفسها...
ايقنت عندئذ حقيقتها..
كانت عاجزة على تجاوزها، و هو أيضا، تركها للهواجس بعد أن أفاقت من أحلام اليقضة الوردية.
في تلك الليلة كانت القاهرة كمشعل نصر يلوّح لها مودعا بينما تبحر داخل الطائرة في سماء حالكة.
الأنوار و إضاءة الشوارع و السيارات و المنازل العامرة بأهلها بدت كقناديل مذهّبة تأسر العيون..

أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
רומנטיקהألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني