منذ زمن بعيد فقد هذا الاحساس..
التوتر!..لقد كان غريبا عنه، فطيلة عشر سنوات أو ربما أكثر، ربما قد كان في البداية، ذلك عند التحاقه بعمله في ألمانيا.. مع مرور الوقت اعتدل كل شيء..
الوقت و البشر، و بينهما المشاعر و الأفعال و التفاعلات و الانفعالات، أخذت كلها طريقا سويا و صارت مزيجا متكاملا و متجانسا..
تتالت من بعدها السنون، حتى ظن أن حياته اسطوانة جرامافون يقف فوقها كابرة ساكنة بينما تعزف روتينا مُملّا..لم يكف ابهامه عن العبث بطرف ذقنه..
التفكير فيها استبد بجميع حواسه وعبث بتركيزه..
"ماذا يحدث لك يا خالد؟!..
ما هذا التخاطر العجيب؟!.. ".صر على أسنانه محدثا نفسه.كطبيب مختص في جراحة المخ و الأعصاب، كان من البديهي أن يعرج في اختصاصه على علوم النفس والفيزياء ويكتسب معارفها، ورغم دراساته العميقة في مجاله و مجالات أخرى موازية، إلا انه لم يمارس التخاطر مع أحد قبلها.
إحساسه بها شديد الحساسية و دقيق !..
تغلغلت فيه بطريقة سحرية، مستبدة بجميع أفكاره ، و استحوذت مرة واحدة بجميع غرائزه.لم يكن يوما متعلقا بالنساء، والأحرى لم يكن ليُصنّف على أنه من أصحاب النزوات و العيون الزائغة ..
لاينكر بأنه أعجب مرارا بفتيات أخريات كثيرات، بل بعضهن فاتنات، بل و لاق منهن الإهتمام و " المعاكسة"،فحسناوات ألمانيا من أعراق مختلفة و يشهد لهن بالجمال الصارخ!.
لكن! هذا الاعجاب لم يتعدى بضع دقائق يتيمة ، تتسارع لتختفي في وقت وجيز ثم يندثر من بعده سحر الافتتان و يعود كل شيء إلى سابق عهده، وتعود تلك الفاتنة، مجرد فتاة جميلة..إلاها اللعنة!
ارسى يده على المقود و تنهد، تساءل بيأس فيما تشابكت الطرقات امامه و اشتد الزحام:"
هل سألتقيها مرة أخرى ؟!..
هل تقطن هناك؟"..فكر في ذلك..
ربما! لأن لكنتها غريبة... لذلك تساءل، أو ربما تكون سائحة!..هل تذكرته؟!..
الظاهر بأنها نسيته!..
لا عتب عليها فهي بالكاد نظرت إلى وجهه ذلك اليوم..ضرب بعصبية كفيه على طرفي عجلة القيادة، كان عليه ان يستوقفها ويسألها ذلك، فكر في حنق.. ربما كانت لتتذكره حينها!..
تأفف زافر اجام غضبه الذي تسلل إلى أحشائ قلبه بخبث...
مر الوقت ثقيلا في زحمة السير و ما فتئ أن هدّأ اعصابه بحركات تنفس عميقة و كثيرٍ من الاستغفار، ملجما نفسه عن الزيغ وراء التفكير فيها و مقنعا نفسه بيأس بأنها ليست سوى سراب و صدفة غريبة بعيدة عن الواقع، و لا أمل في تكرار لقائها.
ثم من يدري عن حالها، فقد تكون مرتبطة، حبيبة، خطيبة أو زوجة!..لقد صار ال"هو" خاصته شديد الانفعال، يتفاعل غريزيا عند تذكرها فيتحول فجأة الى رجل بدائي، و تصبح كل ذرة فيه تتفاعل بشهوانية معها، شكلها، صوتها و رائحة عطرها، لقد حفظ جميع تفاصيلها منذ أول لقاء..
![](https://img.wattpad.com/cover/192544390-288-k916913.jpg)
أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
Romanceألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني