وضعوها على "حصير العبادي"(1) الذي غطى ركنا صغيرا من الغرفة و كان مغشيا عليها، تواترت أنفاسها بهدوء مريب يبعث على الخوف، فالناظر إلى سحنتها الشاحبة يعتقد جزما بأنها تغط في نومة أبدية...
انعكس ضوء القنديل الصغير المعلق بالحائط أعلاها على جسدها الساكن.. و كان حينئذ عند ركن قصي، يجلس القرفصاء، يمعن في ملامحها الهادئة بعينين شهوانيتين، ملتهما جميع تفاصيلها الأنثاوية الهامد تحت وطأة المخدر القوي..حدق فيها و انغمس في خيالاته القذرة، ثم امتدت يده إلى بنطاله، لتتسلل تحت جبته الواسعة التي وارت سوئاته..
بدا على سحنته الثعلبية أثر الإنتشاء، و إذ زمجر شبقا، فانقطع صوته و اهتز فزِعا حين عكر صوت بڨندا أحلام يقظته..دخلت الأخيرة خُلوته ولم تنتبه إلى فُجوره، فالعتمة حيث يجلس أعدمت كل تفصيل لملامحه الشيطانية و حركاته القذرة...
توقفت بڨندا على بعد خطوات منه و حدثته هامسة:"أراها نائمة يا شيخ!..
الظاهر أنها ارتاحت لرقدتها!.."..دنت منها بتؤدة ثم حركت يدها أمام وجهها و أردفت وهي تقوس فاهها ساخرة:" تقول خالتها بأنها خريجة هندسة!..
لا أعلم من أين لها العلم وهي بهذا الحمق و الساجذة.."..
أضافت متراجعة إلى الخلف تشتمها:" غبية كالأخريات!.."..عادت بڨندا و وقفت حيث يجلس شيخها وتنهدت مستطردة:"ه ه ه .. المهم في الأمر أن هذه الحمقاء ستصبح بنكنا المتنقل!"..
ابتسم الشيخ و عقب قائلا بهدوء:" بل خليلةً للأسياد!! نوع فاخر لم أتذوق منه بعد!"..قاطعته هازئة:" حقا!.. بل قل غير ذلك يا جشع!.. ألم تكتفي من اللواتي حملن منك بتعلة عقم أزواجهن!.. "..
رد باسما وهو ينظر إلى فريسته:" لقد قمت بخدمتهن و هذه أيضا ستنال نصيبها!"..
و أضاف وهو يعبث بلحيته الكثيفة:" ثم إن هؤلاء نوع!.. وهذه نوع آخر!"..
ابتسمت بڨندا دون تعليق و عادت تنظر إليها..
انتشلها من سكونها حين هتف هامسا وهو يرفع عينا ثاقبة لمعت عند انعكاس نور القنديل، و كان صوته قد تغير بعض الشيء و طغى على سحنته برود مستجد:"بڨندا! ماذا فعلتِ بصاحبنا؟! هل مازال ذلك الأحمق يلاحقكِ!"..
قوست ثغرها و همست إليه بغرور مستنكرة:" يلاحقني!.. إعْتَقدْتُ أن شبحه، قد زارك ليلة أمس!.."..
و أردفت هازئة :"خخخخههههههههه! شيخ صيني لو يعلمون!"..ابتسم الأخير بخبث و أجابها متهكما:"الناس تهوى الرخيص!"..
بصقت بڨندا على البلاط العاري و سألت بنزق لاح من تبرم شفتيها الغليظتين :"سأستشيرك في أمر يبدو لي عاجلا؟"..
و استرسلت بغل اسجمت عنه عيناها الحانقتين:"
هناك ذبابة سمجة لا تهدأ و لا تمل إزعاجي "يا بركات"!.. أريد أن أفعصها و أفصل رأسها عن جسدها!"..قطب "بركات" جبينه و سأل بريبة:" من تقصدين بالذبابة؟!"..
قوست ثغرها بشبح ابتسامة صفراوية:" من غيره... ذاك تييييت .. "شَكَلُّو" ابن العاهرة!"..
أنت تقرأ
رواية لا ترحل !.. ® بقلم درصاف الذيب
Romansaألا تجلسين لخمس دقائق أخرى ؟ ففي القلب شيء كثير وحزن كثير.. وليس من السهل قتل العواطف في لحظات.. وإلقاء حبك في سلة المهملات. - نزار قباني