7 شريط أحمر

265 26 168
                                    

يبدأ يوم فيلكس دائمًا مع ظهور شعاع نور الصباح في أطراف السماء، فيستشعر جسمه أول هذه الخيوط ويستجيب لها فورًا بالاستيقاظ، حتى لو أنها لا تصل إليه في غرفته المظلمة تمامًا

سواء نام باكرًا أو متأخرًا.. كان موظفًا أو عاطلًا كما حاله قبل أسبوع بالضبط، فإن هذا النظام ثابت لا يتغيّر.. منذ زمن طويل

فبعد استيقاظه يكون في حاجة إلى متسع رحبٍ من الوقت.. نصف ساعة على الأقل يخصّصها لأجل الاسترخاء والراحة بعد النوم، وعندما يحصل على ما يكفيه منها يُصبِح جاهزًا لمغادرة فراشه، ولا يمكنه فعلها إن لم يستيقظ مبكرًا جدًا

يعجز عن مواجهة الحياة بشكلٍ يومي إن لم يقضي بعض الوقت متراخيًا في حضن سريره والبطانية تعانقه، يسيطر عليه وعي شبحيّ يجعله غير مدرك لأي عالم ينتمي له ويجب أن يعود إليه

أولى مراحل عملية استرخائه تبدأ بتحرر وعيه من كل الخيوط التي ربطته بعالم الأحلام، فيرتفع عندها للأعلى ببطء مثل بالون يحمله الهواء برفق إلى السماء

وما بين البداية والنهاية يكمن جوهر هذه العملية، إذ يمرّ بمشاهد مُتفرِّقة من أحلامه غير المفهومة، وصور مُجتزَأة من ذكرياته غير المهمة، فتتصل كلها ببعضها مُكوّنة شريطًا لفيلم سينمائي لا معنى له ولا هدف من عشوائيته سوى ملء هذا الوقت بالراحة والأمان اللذان يحتاجهما قبل الخروج للواقع

وبفرقعة إصبع ينفصل الحلم والواقع عن بعضهما، ويستعيدان هويّتهما المتفرّدة بنفسها.. عندها تنتهي لحظة الاسترخاء، ويطفو وعيه على السطح مهتزًا إلى أن يستقرّ ويصبح العالم الذي ينتمي إليه حقًا واضحًا لا مجال للشكّ فيه

في السماء غير المرئية من نافذة غرفته المغطاة بالستائر الثقيلة حدث ارتفاع يسير للشمس فيها زاد من قوة وهجها ووسّع مداه أكثر، ونجح ضوؤها في الانكسار من خلال زجاج النافذة، والمرور عبر نسيج الستارة ليسقط على أرضية الغرفة باهتًا

جذب فيلكس نظارته من فوق المنضدة وارتداها قبل أن يُزيح الغطاء عن رأسه.. اعتدل في جلسته ومسح الغرفة شبه المظلمة بنظرة واهنة لم تتغيّر منذ بات يستيقظ يوميًا فيها.. نظرة تُشكِّك في مصداقية هذا الواقع

فربما معيشته الآن في عقار جيفري لينغارد هي طُفيْلِي من الحلم رفض الانفصال عن الواقع وقرر التشبّث به، ولا يزال حتى الآن يسكن غرفته الصغيرة في النزل الرخيص، والستة شهور مستمرة إلى أمدٍ لا يدري أين منتهاها

في كلّ مرة يشكّك، وفي كلّ مرة يتأكد أنه فعلًا أصبح مستأجرًا في منزل جيفري لينغارد

قبل بضعة أيام كان من الممكن أن تكون هذه اللحظة حقًا حلمًا طُفيْلِيًا يدعو للضحك من شدة كونه مستحيلًا، ولكنّها الآن حقيقة لا تستدعي الضحك أبدًا

عملية صُنع الحالمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن