1 إينديقو

904 61 239
                                    

عَبْرَ النَّافذة الوحيدة في شقة الاستديو الصغيرة حامتْ رياحٌ مسائية لنهاية الربيع وبداية الصيف في أرجائها، ورَفْرَفَتْ لها الستائر الشفافة بنعومةٍ على جانبيْها لتصنع صوتًا طبيعيًا يُقاوِم ما كانت فيه الشقة من صمتٍ منذ ساعات

كان الهواء برفقة أشعة الشمس الساطعة هما الشيئين الوحيدين على قيد الحياة هنا، أكثر حتى من صاحبة الشقة متكوّرة الجسد باستسلام على سريرها الأرضي

"يا لها من بدايات بائسة في حقّك آيلا"

امتلأَ عقلها بهذه العبارة التي ظلّت تتكرّر بلا توقّف كمُسجّلٍ مكسورٍ منذ ألقت رأسها على وسادتها، بطريقة تُشعِرها بالشفقة على نفسها

بطريقة مقيتة حقًا...

أتمّت آيلا انتقالها إلى هذه الشقة الصغيرة صباح اليوم، وهذا يُفسّر سبب أن الشيء الوحيد الصالح للجلوس عليه هو السرير

بقية الغرفة كانت في فوضى عارمة من الصناديق الكرتونية والقماشية، والأثاث المفكّك والبسيط جدًا لتسهيل حياتها اليومية، وحتى حقائب ملابسها ومتعلقاتها الشخصية ملقيّة في الوسط وكأنها لا تعنيها

كلّ ما فعلتُه منذ الصباح وحتى الآن أنها رتّبت سريرها الأرضي.. مُجبرة على ذلك

"ليس السرير فقط.. لقد فعلتُ ما هو أكثر من ذلك"

ذكّرت نفسها الناقدة على اكتئابها بأنها أيضًا قامت بشيء مهم آخر بعد أن ملأت مساحة الشقة بصناديقها وحقائبها، فقد وقفت مع العامل لمراقبته وهو يغيّر قفل باب الشُّقة بآخر إلكترونيّ ذو أمانٍ وإمكانياتٍ عالية، اختارته دون أن تهتم لثمنه الباهظ

كانت الحماية هي الشيء الوحيد الذي لن تقبل المساومة فيها

لا بأس بزلزلة ميزانيتها لهذا الشهر إن كان القفل سيعطيها أمانًا محسوسًا في المكان الجديد الذي انتقلت إليه

في لحظةٍ غمرها الفراغ اعتدلت آيلا أخيرًا في جلستها طاردة كلّ تخاذل أكل في مفاصلها منذ الصباح

"لا بأس! يمكنني دائمًا البدء من جديد ما دمتُ أستطيع العودة إلى المنزل بعد كلّ فشل.. حتى لو كان منزلًا متواضعًا"

ابتسمت بفتور على تغيّر الموجة فجأة واستقبال عقلها لكلمات جديدة نجحتْ في جَمْعِ بقايا طاقتها وأشلاء تفاؤلها من أماكن متفرقة في داخلها

هذا النوع من التشجيع كانت الطريقة الوحيدة لجعلها تقف على قدميها مُجبرة، فلو أصغت لوقت أطول إلى رثاء بدايتها البائسة فستُصاب بالجنون حتمًا

أقصى ما تستطيع فعله في وضعها هذا أن تخضع لِقلّة حيلتها، وتشجّع نفسها في حدود واقعها وظروفها الحالية

ها هي الآن في الثامنة والعشرين من عمرها...

المرحلة التي ستنضج فيها ثمار جهود بدايات عشرينياتها لبناء هيكل حياتها المادية والاجتماعية

عملية صُنع الحالمينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن