امتدّت أمام عينيّ كلودين مساحة عشبية شاسعة متلألئة أسفل ضوء الشمس، وتحيطها غابة ارتفعت أشجارها الخضراء الكثيفة وتشابكت أغصانها ببعضها
انعكس مشهد الطبيعة الفائضة بالحياة في عينيها الرماديتين الشاحبتين وهي تراقب قرصًا طائرًا في الجو فاتها قنصه، فجهّزت بندقيّتها استعدادًا لتحطيم الهدف الجديد الذي سيأتي بعده
اتخذت وضعية تسديد مستقيمة ومثالية، وشحذت بصرها في انتظار الهدف المقذوف ليظهر.. كان الهدوء مُخيّمًا من حولها، ومع تركيزها ازدادت حدّته ولم تعد تسمع حتى صوت حفيف الأشجار القادم من بعيد، ولا تغريد الطيور العائدة لأوطانها
وضعت سبابتها على زناد البندقية في اللحظة التي سمعت فيها صوت الهدف الطائر يُقذف، وازداد بريق حدقتها عندما رصدته يشقّ السماء بمروره
كانت واثقة من أن توقيتها سيكون صحيحًا، وستنجح في تفجيره برصاصتها، ولكنّها فوّتته عندما استشعرت حضور شخصٍ كان يقف خلفها فاستدارت متفاجئة نحوه
- غرايس!
كانت عينا غرايس الداكنتان تتبّعان بخمول الهدف الطائر وهو يمرّ بسلام في السماء إلى أن هبط واختفى في مكانٍ ما من الغابة البعيدة
- نجاحٌ مُبهر...
تمتم بهذه الكلمات لنفسه قبل أن يُعطي المرأة الواقفة أمامه الانتباه اللائق بها.. رفع حاجبيه وأخفضهما بدون أن يضع في ذلك مجهودًا، وقال: مرحبًا
- آه.. أهلًا
إجابتها السطحية أوضحت كم أنها لا زالت مضطربة من ظهوره المفاجئ ودون أن يحددا موعدًا مُسبقًا.. إلا أنها تمكنت من جمع شتاتها وابتسمت: ظننتُ أنك لن تقابلني بعد أن تجاهلت رسالتي تمامًا
- توجد أولويات يجب قضاؤها أولًا وبالترتيب المناسب
ابتسمت بسخرية: لا أعلم إن كان عليّ الاستمرار بالانزعاج من تجاهلك لي، أم الشعور بالامتنان لأنني على الأقل كنتُ موجودة في قائمة أولويّاتك، ولو أنني جئت في ترتيب متأخر جدًا
- اختاري ما يعجبك، فلا فرق عندي.. أوه، هدفٌ آخر نجا...
قال جملته الأخيرة مستدركًا عندما قُذف في السماء هدفٌ جديد ومرّ أمام عينيه بسلاسة أشعرته بالرضا والسلام دون أن تفجّره طلقة من البندقية في يد المرأة التي يفترض أن تستهدفه
أدارت كلودين رأسها لتنظر إلى السماء الصافية، وشعرت بالضيق عندما ملأ صوت الرياح أذنها.. همست منزعجة: ثلاثة على التوالي...
على أي حال لقد فقدت اهتمامها باصطياد مثل هذه الأهداف المملة المتحرّكة في اتجاه واحد، ومع وجود غرايس فلم تعد هنالك حاجة إلى الاستمرار في متابعة القنص
إلا أنها عندما نظرت للبندقية في يدها ابتسمت ومدّتها لغرايس: هل تريد أن تجرّب أولًا قبل فعل أي شيء آخر؟
أنت تقرأ
عملية صُنع الحالمين
غموض / إثارةانحنى جسدها على جسده لتحجب به الأمطار عنه، وأزالت النظارة المبللة عن عينيه لترى بوضوح سوادهما المستنكر قربها العابر لحدوده - فيلكس نادت اسمه بخفة دون أن تنتظر منه إجابة، فنظراته نحوها كانت كافية لمعرفة أنه مستعد للإصغاء إلى أي شيء ستقوله: أخبرتني أن...