كانت سيرينا جاثية بالقرب من شجرةٍ ضخمةٍ ألقتْ بظلالها عليها، وقد أسندتْ يدها على جذعها حتّى تدعم جسدها المُرهَق والمنحني نحو تربتِها لتتقيّأ عصارة معدتِها في منظرٍ أزعج النّاس المارّين بها، ولم يكلّفوا أنفسهم أدنى عناءٍ ليُخفوا ازدراءهم من تصرّفها قبل أن يتخطّوها
انشدّتْ عضلات بطنها وصدرها، وأحسّت بحرارة أحرقت حلقها الجريح من قوّة الاندفاع بعدما فرغتْ من التقيّؤ، ورغم كلّ ذلك فإنّه لم يُساعدها على التحسّن.. لا تزال تشعر بالدّوار، وصدرها ضيّق جدًا على الهواء الذي تُدخِلُه إليه، والدّنيا أظلمتْ في عينيها دون أيّ اعتبارٍ لقوّة ضوء الشمس في السماء الصافية
انحنى بيورن نحوها ليُخفيَ ما استطاع من جسدها عن أعين النّاس الفضوليّة والمستنكرة، وقام بفتح قارورة ماء باردة أخرجها من حقيبتِها القماشية وأعطاها لها، فأخذتْها منه بيدٍ مُرتعِشة وقامت بشطف فمها من مرارة القيء المتبقّية فيه
غسلتْ فمها جيدًا، وأعطتْ وجهها حقّه من البرودة حتّى تستعيد ولو شيئًا يسيرًا من وعيها وتركيزها يسمح لها بفهم كلام بيورن على الأقل
- سيرينا.. أنتِ لستِ بخيرٍ حقًّا!
وضعتْ القارورة التي أفرغتْ مُعظمها جانبًا وردّت عليه مُنزعجةً بصوتٍ يهتزّ: وهل ظننتني أمزح عندما أخبرتُك من قبل أنّني مُتعبة!
لم تقصد في كلامها أيّ توبيخٍ له.. إنها حتّى أضعف من أن تضع فُتَات قوّتِها في الغضب عليه، ولكنّ رؤيتها في هذه الحالة المُرهَقة تُعاني حتّى من التنفّس بشكلٍ طبيعي أشعره بذنبٍ كبير، لا سيما وأنّها فعلًا أخبرتْه بكلّ الكلمات والأفعال أنها ستتعب، ولن تتحمّل
- آسف...
زفرتْ سيرينا أنفاسها في محاولة لاستعادة سيطرتِها على فوضى أجهزة جسدها، وساعدها بيورن في إزاحة شعرها الطويل عن وجهها إلى وراء أُذنِها وكتفها لئلّا يُضايقها
حاولتْ الوقوف على قدميها رغمًا عن تعبها، فعند هذه النقطة لا تريد أن تتسبّب في إفساد اليوم أكثر عليهما، وخصوصًا هو الذي لم يقصد شرًّا من سحبها وراءه في كلّ شارع، وباستنادها على بيورن عادتْ مرّةً أخرى إلى مكانها عند السياج الحديديّ وتمسّكتْ به بكلتا أصابع يديها
- فقط أخبرني بيورن.. ما رأيتُه لم يكن محضَ هلوسةٍ صوريّة تسبّب بها تعبي، صحيح؟
وصلتْها همهمته لقربه منها وتركها تُلقي شيئًا من ثقلها على جسده، كما أنّ ذراعيه كانتا حول حدود جسدها تحسّبًا لازدياد حالتِها سوءًا، إلّا أنّها في هذه اللحظة كان تعبُها آخر شيءٍ يمكنها أن تُفكّر فيه
- منذ متى كنتَ على درايةٍ بذلك؟
- من وقتٍ ليس ببعيد
- وهذه هي هديّة عيد ميلادي منك! تبًا لك بيورن، لقد استخدمتَ تلميحًا سيئًا لا يُمكِنني فهمه ولو فكّرتُ فيه لمئة عام
أنت تقرأ
عملية صُنع الحالمين
Mystery / Thrillerانحنى جسدها على جسده لتحجب به الأمطار عنه، وأزالت النظارة المبللة عن عينيه لترى بوضوح سوادهما المستنكر قربها العابر لحدوده - فيلكس نادت اسمه بخفة دون أن تنتظر منه إجابة، فنظراته نحوها كانت كافية لمعرفة أنه مستعد للإصغاء إلى أي شيء ستقوله: أخبرتني أن...