الفصل التاسع: صاحب التاج.

42 6 3
                                    

ألقت روزالين أكثر ابتسامة بريئة في الكون وهي تتقدم نحو لويس الذي لا يزالُ في طورِ الاستيعاب أنها أتت فعلاً، متأخرة.. لكنها حاضرة وأمامه تقفُ مغلقةً جفنيها بلطفٍ، عكس شكلها الهادئ والأليف فنفسها تخفي انزعاجًا بعدما سئمت من نظراته الحائرة نحوها برفقة التكشيرة الصغيرة التي لم يختفِ شبحها عن وجهه ذو الحروف الحادة والشاحبة بغرابة.

'أظنني أخطأت وتسرعت..' همسَ في نفسه متحسرًا، لم تكن روزالين تعلمُ أن حنقه البارز بخفوتٍ على تعابيره كان موجهًا لنفسه التي ارتكبت خطأً سيقوده ويقود من أمامه لمشاكل هما في غنًا عنها، بل كانت النبيلة تحسبُ أن الأمير منزعجٌ من قدومها ويتمنى لو لم تحضر وتقاطع خلوته، فصارت هي الحانقة رغم محافظتها على تعابيرها اللطيفة، على نقيض نبرة صوتها التي فضحت ما تشعرُ به.

'أخيرًا قررتَ الظهور!' أرادت أن تقول، لكن نتائج كلامها لن تكون يسيرةً بلا شك، لذا غيرت بعض الألفاظ وقالت بدلاً: "تسعدني رؤيتك يا صاحب السمو، الوقت متأخرة ويجدرِ بسعادتك العودة للقصر."

صوتها خرجَ ضجرًا ومتبلدًا كأنها تطلبُ قهوتها الصباحية اليومية دون بذلِ أدنى مجهودٍ في تقمصِ دورِ القلق قليلاً، حتى لو فعلت ما كان لويس ليصدق تمثيلها، لذا كل ما قام به أنه رفعَ حاجبًا بمعنى: 'بجدية؟' ثم سعل مرتين، فتقلب النبيلة عينيها حتى تنهد الأمير، هذه الفتاة ستصيبه بالصداع والتعاملُ معها أشبهُ بالتعامل بالنسخة الأكثر تعقلاً من إدوارد، هو بالكاد يتحمل شقيقه، ودخول فردٍ جديد لسجنه كان أمرًا يثير أعصابه.

"ألن نغادر؟" سألت روزالين باستغراب هذه المرة، جل تفكيرها منصبٌ على نشاطها الليلي الذي تدمر تمامًا، الوقت متأخرٌ جدًا ويبدو أنها ستقضي الليلة على سريرها فحسب، ذلك ما كانت تفكر فيه بينما تتجهزُ برفعِ أطراف فستانها للرحيل، على نقيض لويس الذي لم يتحرك إنشًا إنما أنكس عينيه مضيقًا إياهما في قلقٍ من أمورٍ تجهلها النبيلة، وتأخره في الرد أو التحرك أصابها بالريبة، فصارت أكثر جدية في التفكير بشأن الأمير.

أطبقت حاجبيها باستنكارٍ بعدما لاحظت أخيرًا ازرقاق شفتيه وارتعاشهما، ناهيك عن شحوب وجهه وارتفاع صدره وانخفاضه في شهيق وزفيرٍ متسارعين حاولَ السيطرة عليهما أثناء تفكيره، بدا وكأنه عاجزٌ عن التنفسِ بصورة صحيحة رغم هذا لم يلقِ لذلك بالاً وهذا ما جعل روزالين تستغربُ أكثر، صارت قلقة من اختناقه وموته أمامها بهذا الشكل فتدفع ثمن ذلك غاليًا فقط لوجودها في نفسِ الموقع، وبعد إدراكها أن وجودٍ خطبٍ مع الأمير لم يشمل صحته بل الموقف الذي وقعا به أيضًا تحدثت منبهة:

"يا صاحبَ السمو، تبدو شاحبًا وفي حالةٍ مقلقة، من المستحسن أن نعودَ حتى يقوم الطبيب بفحصك لو سمحت."

استجابة لكلامها رفع لويس عينيه عن الأرض محدقًا فيها بكرستاليتين انعكست ظلالُ القمرِ الهادئ ونوره القادمان من النافذة عليهما، فصارتا تلمعان وسط برودهما المُداعب من قِبل النسيم الليلي، ما ذكرته روزالين كان آخر اهتمامات لويس فلا عجب أنه بقي صامتًا دون لفظِ حرف حتى بعد اصرارها على الذهاب، هو وسط تخميناته وأسئلته ضائع، وروزالين التقطت ذلك فتعجبت من مقدار الفوضى الحادثة برأس الأمير، التمست من تحديقاته الصامتة نحوها حيرته الكبيرة وتوتره وشكوكًا تدبُّ في نفسه، ما ذكرها بنفسها حين تُحكم الأشباح زمام السيطرة عليها دون قدرةٍ على طردها بعيدًا، النبيلة هنا هي أكثرُ من تعلمُ المعاناة الناتجة عن التخبط وسط التناقضات والوساوس التي لا تتوقف عن فرضِ ذاتها بالنفس، لذا لم تواجه صعوبة في قراءة الشفافية خلفَ عينيّ الأمير، فعلمت مباشرةً أنه وسط صراعٍ بذاته يحذره ويدعمه في نفسِ الوقت، وقد تفاجأت بعدما أدركت أنها سببُ هذه الحيرة، فكأنما كرستاليتاه تقولان: 'هل أثق بها وأتقدم؟ أم أؤجل الأمر ونتراجع؟

آليخاندريا - Alexanderiaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن