الفصل العشرين: ذكرى لويس.. قبرُ رغبة.

24 5 1
                                    

القفلُ الكرستالي- قبل تسع سنوات.

ليلة أخرى بالعاصمة حالكة السواد، الغيوم الداكنة غطتْ أي أثرٍ للقمر فلمْ يبقَ غير فوضى ضبابية دون نجمةً واحدة تنير الهاوية اللامتناهية المُسماة بالسماء، بدت كلوحةٍ رماديةٍ رسمها فنانٌ يحتضر، فخربشَ اضافة قاسية من دموع الغيوم التي ابتلعتها لوقتٍ طويل، تتساقط على الأرض لتدرك أن وجودها بالأعلى كان أفضل من هذه الأسطُح القذرة المحملة بآثام البشر، لكنها لا تستطيع العودة لما كانت عليه... مسيرة غير مخيّرة، مثلَ من كان يراقبُ القطرات الثقيلة التي تضرب زجاج النافذة أمامه محدثةً ضوضاء خافتة، تساءل في نفسه إن كان هذا الصوت هو صراخ الأمطار التي نزلت من نعيمها مرغمة، لكنه لم يلبث أن سخِرَ من فِكرته.

استدار نحو باب الحضيض الذي ينتظره، تنهد فورَ تذكره أن عليه الدخول وكأنه لم يكن بالقاعة قبل عشر دقائق على الأكثر، فترة الاستراحة القصيرة تمنى أن تدوم للأبد، لكن الواقع لا يحقق الأمنيات.

هندمَ ثيابه لمرةٍ أخيرة ثم تقدم نحو الباب المُرصعِ بزخارف ذهبيةٍ وأمرَ الحارسين بفتحه، لبيَا الأمر فأخذ أول خطوة نحو القاعة الضخمة التي أصبح اقتحامها أمرًا معتادًا للغاية، وذلك أمرٌ طبيعي لمن عاشَ حياته محاطًا بالقصور وأبهى أشكالِ الثراء، وُلد وفي فمه ملعقة ذهبية يحلمُ بها كل طفلٍ آخر، مدللٌ يعيش في نعيم... ذلك ما قد يبدو عليه للوهلة الأولى.

كان يا مكان.. عاش طفلٌ صغير في قصرٍ كبير.

رُسمت على وجهه ملامح رزينة لا تُظهره بصفته فتًا في العاشرة، حتى في تصرفاته لا يفعل ما لا يلزم ولا يقول الكثير، الأقلية المناسبة التي جعلت الشيوخ الكبار والسادة الصغار يُعجبون بكلِ تفاصيله، فقد امتلك النفوذ التي تخوله حضور أهمِ الاجتماعات، القوة والذكاء اللذان تفوق بهما على بقية أقرانه، النظرة الكرستالية ذات الجاذبية الخلابة، والأهم أخلاقه العالية التي تميزه عن الباقين، فكما هو متوقع من الابن الأول لملكهم ومن حُسم قدره وليًا للعهد فور اظهاره امكانياته الكبيرة، العرش في مكانٍ آمن بين يديه.. ذلك ما صدّقه المواطنون من النبلاء والعامة على الأقل.

كان يا مكان.. الطفل الصغير كان أميرًا.

سرقَ أنظار الجميع فور دخوله، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى انخرط في الأحاديث العميقة مع السادة من كِبار النبلاء، لكن ذلك لم يمنعه من الاستماع إلى الكلام الذي يُروى من خلفِ ظهره رغم عدم حاجته لفعل ذلك، فالمناقشات تتكرر حول منصبه القادم، والمعظم يقف في صفه، يتأكدُ فقط أن خطته الدقيقة في جذبهم نحوه تتابعُ السير كما يرغب، يُحركُ آراءهم بنقرة واحدة من اصبعه، يبتسم بينه وبين نفسه فور إيقانه أن الجميع يأخذون عنه نظرة واحدة كاملة النواحي، ترفعُ شأنه ولو أبدى التواضع، فلا أفضل من أن تتم الأمور كما خطط لها على أكملِ وجه.

آليخاندريا - Alexanderiaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن