الفصل الثالث عشر: قُفاز.

60 7 1
                                    

لم يخلُ القصرُ الملكيُّ من الحركة والحيوية ليومٍ آخر، فاشراق الشمسُ يجعلُ الجميع يرفعون الأكمامَ إلى سواعدهم ويباشرونُ بالعمل، فيتحركونُ جيئة وذهابًا مسرعين بين أروقة القصر لتأدية مهماتهم، ولا يعترضُ شيء طريقهم إلا الحاجة للتوقفِ و تحية الأمير الثاني إدوارد كلما مرَّ عليهم، فيعطلهم لدقيقة ثم يستعجلون السير في الدقيقة التالية، فوجوده يؤثرُ عليهم، أما وجودهم لا يعني شيئا بالنسبة له.

كان يردُ التحية ويلوحُ لهم بابتسامة في البداية، أمّا الآن فيسير في أروقة قصرِ الأمير الأول مصفرًا والملل يكاد يقتله، عادةً ما يقتحم مكتبَ أخيه ثم يشرع في ازعاجه وطرحِ تذمراته حتى يطرده، أو ينافسُ روزالين في لعبةٍ يعلمُ أنه سيربحُ فيها ثم يتشاجران و يقلبانِ الدنيا على لويس الذي سيحاولُ تأديبهما.

قضاءُ صباحٍ كذاك كان ممتعًا في البداية لكنَّ ما يتكررُّ يفقدُ طعمه، لذا استيقظَ اليوم وفي جعبته أفكارٌ جديدة عن صباحٍ مختلفٍ ومُشوقٍ أكثر، لكنه لم يظنَّ أن العالم سيعاقبه على الرغبة بتغييره في ألا يجد لا الأمير الأول ولا كيرالينه!

بحثَ في جميعِ أنحاءِ القصر فلم يجد أحدًا منهما... بل بحثَ بقاعة الطعام ومكتبِ أخيه فقط ثم تكاسلَ عن الاستمرار في ذلك.

'صعبٌ ومُرهق.' على هذا الأساس توقف آخذًا طريقةً أسهل وأكثر فعالية لايجادهما دون بذلِ أي مجهود، غير آخذٍ بالاعتبارِ أنَّ استعماله لقوة العائلة الملكية لفعلِ شيءٍ سخيفٍ كهذا يهينها وسلالته، لكن هل يهتم؟ قطعًا لا! يملكها وله حرية التحكم بها إذا سيحقق أكبر استفادة منها.

مدَّ كفَ يده الأيسر أمامه ثم تمتمَ ببضعَ كلماتٍ فانبثقت حرارةٌ من يدهِ مع نورٍ ضئيل زُمرديٍ انعكسَ على حُدقتيه، تيارٌ هوائيٌ خفيفٌ حرك خصلاتِ شعره الأبيض ثم ظهرَ تدريجيًا حبلٌ بسُمكِ الشعرة تشكلَت نهايته بين أصابعِ إدوارد، وقبل أن يتلاشى في العدمِ كما جاءَ قبضَ عليه بإحكامٍ فيتبينَ له اللونُ الرماديُ الذي يلفُ الخيطَ بشعاعه الخفيف.

كان جزءً من هالةِ روزالين والذي سيَدُله إلى موقعها بسهولة، تبسمَ إدوارد باستخفاف عكسَ السخطِ تولدَ داخله، فرغمَ عدم كونِ حجبِ الهالة والتلاعب بها الميزة الرئيسية للويس لكن مهارته الفذة في ذلك تجاوزت إدوارد، فهذا الأخير عاجزٌ حتى على رؤية هالةِ شقيقه على الأقل وذلك ما يشعره بالهوان والحنق الشديد.

صكّ على أسنانه مُبتلعًا المرارة ثم حاول ازاحة هذه الفكرة عن باله بالمضيِ في الطريق التي يمتدُّ بها الخيطُ الرماديُّ، مشى عابرًا الأروقة إلى الطابق الأرضي ثم إلى المخرج الخلفيّ للقصر حيثُ توجد ساحات التدريب ونحوها، فتلاشى حبلُ الهالة حينما صار أقرب لموقعِ صاحبتها، وقد كانت موجودة في ساحة المُبارزة.

رفعَ إدوارد حاجبيه باعجابٍ وهو يرى لويس يحملُ سيفًا خشبيًا ويبُارزُ صديقة العائلة الجديدة التي لن تعترف بذلك، وصلت أصوات اصطدام السيفين إلى مسامعه وكان يستطيعُ الشعور بالضغط المهول بينهما في كل هجومٍ أو دفاع، فبين كل ثانية وأخرى يقومان بتحليل الوضع قبل التقدم وهذا ما جعلَ النزال بينهما يطول.

آليخاندريا - Alexanderiaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن