الفصل الرابع والعشرون: دمية زجاجية.

36 4 5
                                    

ذهن شارد.. فارغ.. إلا من هتافات الأشباح طبعًا.

أحلام روزالين أصبحت صفحة سوداء تتخللها هتافات وتحذيرات مذعورة من أصوات رأسها، على الأقل لم تعد ترى الكوابيس أو الخيالات الغريبة، لكنها تظل أقل وحشة من ذلك السكون، أحيانًا تكون الكوابيس نعمة.. تثبت أن الشخص يعيش ويحلم كالبقية، إلا أن دوام ذلك الفراغ، يجعل من يراه لا يفرق بين نفسه والخواء الصامت الذي ينتظر خلاصه في برود.

روزالين آندرسون لم تقع ضحية للأثر السابق، ربما لم تكن تكترث كثيرًا بمسألة الحياة والموت، ولا بقضية تغير أحلامها من المكتضة إلى الساكنة، ولا حتى بالأصوات التي صارت تتطاول يومًا بعد يوم، ففي الواقع.. ذلك كان آخر همها، فسببُ أخذها لغفوة الآن -بعد أوقاتٍ طوال بأرقٍ أفسد حالتها المزاجية- لم يكن غير صوت الأمطار الربيعية الأخيرة، وذلك المقعد القاسي الذي أصبح مريحًا فجأة وجعل أجفانها تستسلمُ وتقعُ في غفوة قصيرة بينما رأسها يستندُ على الوثائق وسطحِ المكتبِ الصلب، تركُ السرير والنوم على المكاتب أصبح عادة.. عادة سيئة جدًا.

فها هي الآن تفتحُ بنفسجيتاها المنهكتان وتصحو، وقبل أن تقوم بأدنى حركة كان ظهرها يصرخُ من الألم كعجوز وهنة، ورقبتها تطالب بأخذِ استراحة بتسبيب مظاهراتٍ واقامة مهرجانٍ من الألم على عظامها، ستكون هذه آخر مرة تنام فيها ولو دون وعي بهذه الوضعية فالآلام لم تعد تحتمل! فكرت روزالين بذلك، ثم ما لبثثت أن سخرت من فكرتها لعلمها أنها ستفعلها مجددا حتى ينفصل عمودها الفقري من مكانه.

رفعت رأسها قليلاً لعلها تُحَسن من وضعيتها وتلك كانت بداية ألمٍ من نوعٍ آخر بدأ ينخرُ جمجمتها تمامًا، الصداع عاد فيا مرحبًا به، لكن الأبواب هذه المرة لن تظل مفتوحة أمامه، فدون تأخير مدت روزالين يدها نحو علبة المسكنات ويا ليتها ما تحركت أكثر، شدت على شعرها بقوة بينما تحاول تجاهل الألم أو الاعتياد عليه وذلك كان دون فائدة تذكر، فأناتها الهامسة كانت خير دليل على أن مواجهة تلك الدفعة الهائلة مرة واحدة وأن تضغط على موضع ألمها بقوة بينما تطالبه التوقف بوهن واختناق ليس سهلاً. "سحقًا- رأسي.."

صرت على شفتيها بقوة وهي تمد يدها نحو علبة المسكن وقد أسعفتها حركتها السريعة في التقاطها ثم رمي حبة داخل فاهها، أخفضت رأسها مجددا تنتظر أن تبدأ آثاره فتستطيع التحرك والعودة للتفكير بحرية، ظلت على تلك الحال بضع دقائق بدت طويلة وبطيئة للغاية حتى أنها كادت تكسرٕ الساعة من دقاتها المستمرة والمزعجة، وقد لبثت طويلاً حتى استطاعت أخذَ شهقة تستعيد بها روحًا مسلوبة وأنفاسًا مقطوعة.

أنزلت يدها نحو الدرج فتفتحه ثم تخرج علبة المنشط ثم تتناول حبة أيضًا، ستستطيع انهاء أعمالِها الآن.. وبتذكر ذلك.

"ما هذا العذاب.." تأففت ضجرًا وهي تحملُ إحدى الأوراق المرتبة حسب نوعها في صفوف، ولو كانت الكومات كثيرة فالأوراق أكثر، منها مجموعة أعمال الأمير الأول التي تولت أمرها في غيابه ومنها السجلات التي تثبت ارتباط عائلة بورتون بالمجتمع السفلي وغيرها من جداول وأعمال متكدسة تحتاج مراجعة قبل تسليمها.

آليخاندريا - Alexanderiaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن