الفصل الثاني والعشرون: نحن.

34 5 8
                                    

المكتبة القديمة التي لم يجرؤ أحدٌ من العمال بالقصر على دخولها دون اذني كنتُ أراها جنة، أسير بين الرفوف أتفحصُ ملمسها العتيق ورائحة الأوراق القديمة صنعت مشهدًا خياليًا، عالم خاص.. مملكة من الكلمات.. خطوة واحدة لداخل هذا الهدوء تُصفي النفس من كلِّ شوائب العالم الخارجي، رافقتني طوال سنين وجودي بالقصر، أختبئُ بين الكتبِ والسطور، فهذه المكتبة كانت ملاذي الثاني حين أعود للوقوفِ دون رفقة، وجودي ارتبطَ ارتباطًا وثيقًا بكلِّ ركن، وهذه المرة الأولى التي أفارقها طويلاً منذ زمن.

اشتقتُ لأخذِ زاويةٍ ودراسة كتابٍ أكبر من وجهي أجاهد كي لا أُسقطه، اشتقتُ للسهرِ على ضوءِ شمعةٍ بينما أطنانٌ من الأوراقِ متكدسة حولي، اشتقتُ للقراءة دون توقف حتى ينهكني التعب فأغفو على المقعد أو الأرض... اشتقتُ لكل ذلك، وأخيرًا عدت لكن ليس بالطريقة التي أريدها.

"أعتذر.. سنؤجل دراسة ثقافة جزر رازونوميت إلى وقتٍ آخر." لمستُ الرفَّ الخشبي ثم مررتُ أصابعي على أطرافه. "إن حصلتُ على فرصة التحولِ إلى كتاب أو ورقةٍ منه فسأقبل بكل سرور."

أيِّ نوع؟

أغلقتُ جفناي مبتسمة حينما استندتُ على جانب الرف بظهري. "ربما عن... فلسفة الموت والحياة، البداية والنهاية، شيءٌ متناقض يمثلُ أفكاري."

همهمت الأشباح داخل رأسي.
الفرد والجماعة؟

"الفردُ فقط، لم أولد لأكون ضِمن جماعة بل لأقودها."

النظام والتمرد؟

"سأحاول مسايرة النظام، لكن إلم يعجبني سأتمرد وأصنع نظامًا خاصًا."

كررت الأصوات قولي حتى صار صوتها كالصدى برأسي، هذه إحدى المرات النادرة التي تتوقف فيها عن الوسوسة وتحذيري بخطرِ  الجميع، حتى أشباحي امتلكت ذلك الحب والألفة لمكتبتي.

هذا يشبهك.

"يشبهنا، أنتم مني لكنني لستُ منكم."

متناقضة؟

ابتعدت عن الرفِّ ثم مضيتُ إلى المكتب الموجود في مساحة خاصة قرب مدخل المكتبة.

"أنتم التناقض بعينه." صمتوا فتابعت. "الأشباح حولي تسعى لتدميري أمَّا القادمة من رأسي تدعمني، ظهورها قليل مؤخرًا."

كانوا يراقبونك..

قلبتُ عيناي من هذه الحجة السخيفة ثم سحبتُ المقعد. "ربمَا فعلوا، لكنني عرفتُ ذلك سلفًا، لا حاجة لانذرات تشوشُ عليّ السمع والأفكار."

ما زالوا يراقبونك..

حمقاءٌ أنا حين ظننتهم سيتوقفون عن نثرِ وساوسهم لوقتٍ أطولَ قليلاً، تنهدت خالعةً المعطف الخفيف عن كتفاي ثم جلستُ مبعدةً زينة الفستان الثقيل الواسع عن طريق حركتي، كان علي تغيير ثيابي إلى أخرى أكثر راحة بعد حفلة الليلة ما دمتُ سأبدأ بعملي، لكنني أخشى نسيان ألقاب جميع العائلات التي حَضرت بالحفل، فالسببُ الوحيد الذي جعلني أحضرُ للمكتبة في هذا الوقت المتأخر هو فتحُ سجل جميع العائلات النبيلة وتحديد من سأصب اهتمامي نحوهم.

آليخاندريا - Alexanderiaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن