الفصل الرابع والعشرون

155 17 11
                                    

كلبشات دموية
"حُلم وقُبلة"
ـــــــــــــــــــــــــ

ناظره بشيء من الصدمة المحفوفة بالحيرة، حتى خرج صوته يعيد كلمات عمه علّه يصدقها: فلسطين !!

إيماءة من رأس زياد أكدت له بأنه لم يسمع كلمة خاطئة حتى تحدث بهدوء: أيوه يا مهد، رؤى سافرت فلسطين.

شعر بجفاف حلقه للحظة وعقله يداهمه بالكثير من التساؤلات، حاول ترتيبها وتجميعها ليتحلى بالهدوء قائلًا: من امتى؟

- من حوالي شهر، بعد فرحك بيوم.

- طب ليه؟

- كانت من ضمن الفرق الطبية اللي باعتاها مصر لاخواتنا في غزة.

اختناق ألمّ بصدره والعديد من المشاهد قد توالت أمام عينيه كأنه مشهد سينمائي مكرر، قصف ونيران وأشلاء وصرخات نساء ورُضَّع من تحت الأنقاض المتراكمة، عيون خبيثة وابتسامة ثعلبية لنفوسٍ نجسةٍ تناظر الخراب بانتشاء مريض.

لا زال الوجع يسكن الصدور، ولا زالت الجفون تأبى الانطباق وهناك من تلتمع عيونهم في الظلام بدموع الترقُّب لكل نارٍ تلتهم ديارهم، تلتهم أحلامهم وابتساماتهم، عيون تترقب انفكاك لعنة قد كُتبت بدماء طاهرة فوق موطن الشهداء، ملتقى الأنبياء، مسكن الأمناء، وكأن اللعنة هي أن تُصبح الأرض المقدسة مقبرةً لشياطين الإنس، أن تكون حكرًا لاستعادة حق ما انسفك من دماء كل نفس، كُتِب لها في يوم معلوم أن تُطهَّر من كل دنس ورجس.

تحدث مهد بصوت متأزم يموج به الكمد: ليه الكابوس ده مش عايز ينتهي، ليه كل البلاد بتقع واحدة ورا التانية واحنا واقفين نتفرج؟

سؤال لم يلقَ له إجابة ولا يظن بأنه سيلقى، نظر لعمه الذي تحدث: فلسطين واجعة قلوبنا كلنا يا مهد، مين بينام من غير ما يفكر فيها وفي اللي بيحصل لاخواتنا هناك، مين منفسوش يروح يرمي روحه وسطهم حتى لو هيموت معاهم.

- فلسطين تستاهل نموت عشانها فعلا.

- احنا مستعدين بكل قوتنا يا مهد، تجيلنا إشارة بس واحنا هنخسف بشوية الكلاب الضالة دول الأرض.

ثم نظر لمهد وتحدث وهو يرفع رأسه بفخر: وبعدين تفتكر اخواتنا سهل حد يغلبهم يا سيادة الرائد، دول أسود، وأصغر طفل فيهم يقرقش ألف واحد من عينتهم باسنانه، الناس دول اتحفرت العزة والكرامة فوق جبينهم والنصر مكتوبلهم من زمان أوي، بس الصبر.

- تفتكر فلسطين هترجعلنا يا سيادة اللوا؟

سؤال آخر انتظر إجابته بفارغ الصبر، تعلقت عيناه بعيني عمه الذي طالعه بقوة قبل أن ترتسم ابتسامة جانبية فوق شفتيه كان بها ما أصاب الراحة في قلبه، رفع كفه يضعها فوق منبت كتف مهد مائلًا إليه قائلًا بكل ثقة: هترجعلنا، ده وعد وأمر، وعد الرحمن بالنصر وربك لما بيوعد بينفذ، وأمر الحق بالعزة وربك لما بيؤمر فا لازم ننفذ.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن