الفصل التاسع والعشرون

157 17 6
                                    

كلبشات دموية
"بشار أمير مهران"
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت حالتها عجيبة كل العجب وهي تلتقط الملعقة لتكتشف بأنها تقصد السكين، وتسحب الطبق لتتذكر بأنها أرادت الكأس، تيه وتشتت يلازمانها حتى وهي تقف أمام الموقد تزفر بضيق بعد أن انسكبت القهوة التي شردت عنها لثوانٍ قليلة وكانت تلك "الكنكة" الثالثة التي تحضرها وتفسد.

وعن كثب جلست صديقتها ندى على المقعد المقابل للرخامة الطويلة في المطبخ، تحتسي كوب الشاي بالحليب الدافئ وتتابع كل تصرفاتها بعينين خبيرتين ونظرة عدم رضا تكلل محياها، ترى عصبية كفها التي لا تتحكم بإمساك الأشياء فإما أن تنسكب منها أو تنزلق لتنكسر؛ فتزداد عصبيتها التي تحاول عبثًا مواربتها.

تنهدت بيأس لتردف بنبرة هادئة: للدرجادي الموضوع مضايقك أوي كده؟

رفعت هدير عينيها لصديقتها تناظرها بضيق قبل أن تشيح بوجهها متسائلة: موضوع ايه؟

- موضوع سامح.

- جرا ايه يا ندى، ايه اللي بتقوليه ده، وايه دخل أستاذ سامح في الكلام دلوقتي.

ابتسمت باستهزاء لاستنكارها المفضوح، وازدادت سخريتها على لقب "أستاذ" الذي تلفظه لأول مرة يسبق اسم ذلك الرجل وكأنه سلاح تحتمي به من اسمه، فهتفت بتأكيد: ده هو أصل الكلام، ولا تكوني مفكراني مش حاسة بيكي ومش عارفة إن من ساعة ما أخباره اتقطعت وانتي مش على بعضك، على طول متوترة وعصبية، ده انتي قلبتي القهوة مرتين يا هدير، عايزة تقنعيني إنك بعقلك كده صح؟

أولتها هدير ظهرها تتظاهر بتنظيف ما انسكب فوق الموقد، حريصة على مواراة عينيها عن صديقتها التي تكتشف بواطنها من نظرة خاطفة لتقول ببرود ظاهري لا مبالي: وهو يعني عشان مضايقة شوية هتقوليلي هو السبب، دي شوية مشاكل في المستشفى ما أنتي معايا وعارفة الوضع، وبعدين أستاذ سامح مجرد والد طفل مريض عندي مش أكتر من كده.

صمتت قليلًا لتكمل بنفس نبرتها مؤكدة: ومش عشان اتعاطفت مع حالته وحالة ابنه واتساهلت معاهم شوية يبقى خلاص فيه بيني وبينه حاجة، خلاص يا ندى كبرنا ومبقيناش بتوع الكلام الفاضي ده.

شعرت بكف صديقتها توضع فوق كتفها لتديرها إليها، وقد ابتسمت في حنو مردفة: عمر الحب ما كان كلام فاضي يا هدير، ولا عمره كان له علاقة بالسن، لحد امتى هتفضلي تهربي من قلبك؟ الحادثة بتاعتك أنتي وأحمد عدا عليها سنين طويلة أوي والحمدلله أنتي اتعافيتي منها، لكن من ساعتها وأنتي قافلة على نفسك والعمر جري بيكي وملحقتهوش، متخليش الباقي من عمرك يضيع عشان خوف ملوش مبرر جواكي يا هدير، لو كنتي عيشتي تجربة قاسية زمان فا هي علمتك حاجات كتير وخلتك هدير أقوى، لكن مش كل التجارب شبه بعض، ومش عشان علاقة فشلت تخافي تدخلي علاقة تانية.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن