الفصل العشرون

167 13 2
                                    

كلبشات دموية
"زواج بالإكراه"
ـــــــــــــــــــــــــ

- يا عاشقة الورد
إن كنتِ على وعدِ
فحبيبكِ منتظر
يا عاشقة الورد

كلمات جالت في أنحاء الغرفة بصوت "ذكي ناصيف" الرخيم تخرج من جهاز الموسيقى الخاص به، الذي وُضع فوق التسريحة مجاورًا لمستلزماته، أما هو فوقف ينظر إلى نفسه أمام المرآة بنظرات خاوية، فقط تلك اللمعة المضيئة وتلك الدقات المتلاحقة بتفاعل عاشق مع كلمات الأغنية، لقد أشعلها الآن ليستحضرها أمامه، فتاة الورد، زهرة الياسمين.

لم يكن يعلم بأن تأثير السحر عليه سيصل إلى ذروته فيحيل فؤاده لوكر من الذكريات، قنبلة موقوتة توشك على تدمير كل ما آل إليه من ظروف مخطط لها مسبقًا من قِبل القدر، لا من قِبله، فهو لم يكن يدري بأنه سيسلك دروبًا لم يعلم عنها شيئًا ذات يوم، رغمًا عن عشقه، رغمًا عن ألمه.

- حيران أَينتظر؟
والقلب به ضجر
ما التلَّة ما القمر
ما النَّشوة ما السهر

تأمل هيئته في حُلى سوداء لامعة، من قميص أبيض وبنطال أسود، سيكون فيها اليوم العريس المحظوظ، ذلك الحظ العسِر الذي لم يرده يومًا أو يهواه، ولكن متى كانت الأمنيات تتحقق، ومتى هوى القلب ولم يقع صريعًا مفجوعًا ضحية هواه؟ إنها التدابير السماوية التي لا رادَّ لها ولا مانع.

التقط ساعته الفضية اللامعة يضعها فوق معصمه الأيسر مغلقًا قفلها، ثم أمسك بزجاجة عطره الفاخرة ينثر منها القليل لكن يده توقفت، حينما وجد يدًا أخرى تلتقطها بشيء من الحب والخشونة الممتزجان في روح واحدة، ولمسة واحدة.

تلاقت عينا مهد مع عيني والده الذي نال منه زجاجة العطر، مد كفه يغلق الجهاز قاطعًا موسيقى أحلامه، وكلمات فؤاده، ثم استدار يواجه والده المبتسم ابتسامة رزينة حانية، لم تخلُ من مسحة الحزن بعد أن علم بحال ولده، وعلم ما يحدث له دون إرادة قلبه فبات مجبرًا معه للمضي في تلك القصة حتى يحين إشعار آخر.

تحدث براء بخفة وابتسامة صغيرة تزين ثغره: يمكن مكنتش أتمنى اليوم ده ييجي بالشكل ده، بس أنا فرحان وأنا شايفك عريس قدامي.

رفع يده بزجاجة العطر وهو ينثر بها عند عنق ولده وصدره، أما مهد فبرغم ما يضنيه ابتسم لوالده الذي استطرد وهو يمسك ياقة قميصه ليضبطها: السنين عدت وكبرت بسرعة، فاكر يوم ما قابلتك على الرصيف ومكنتش عارف تربط رباط الكوتشي بتاعك.

رغمًا عنه ضحك وهو يتمتم بيأس: يادي الكوتشي، قد كده كنت طفل فاشل.

ضربه براء في كتفه بخفة، ثم التقط جاكتة بذلته من فوق ظهر المقعد وهو يقف خلف ولده، رفع مهد ذراعيه إلى والده الذي ألبسه الجاكتة ثم استدار يواجهه لينمقها إليه قائلًا بمزاح: ما أنت اللي كنت خايب، بقا فيه عيّل عنده عشر سنين ميعرفش يربط حتة رباط، على الله عيالك ميطلعوش شبهك.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن