الفصل السابع

184 10 1
                                    

كلبشات دموية
"العروس البدويّة"
ــــــــــــــــــــــــــــــ

وقفت أمام باب بيتها ساكنة دون صوت، دون حراك، فقط عينان متوسعتان تنظر بهما لتلك الحقيبة التي تحملها في يدها، إلى الآن لا تصدق ما رأته في مكتبها والصدمة التي مكثت فيها لدقائق ملتصقة بمقعدها الجلدي، تنظر لتلك الأوراق الخضراء دون تعابير واضحة، تتلمّسها بتوتر وكأنها تتلمّس كائنًا مفترسًا تخشى انقضاضه عليها في أي لحظة، أو لعلها رهبة لمس الدولارات لأول مرة وهي ترفع إحدى الرُزَم في يدها تنظر لها بتدقيق حتى رمتها من جديد فوق أقرانها وقامت تدور حول المكتب بتشتُّت، ثم أغلقت الحقيبة سريعًا وها هي تقف الآن أمام البيت لا تعرف لماذا تقف بتلك الغرابة.

وضعت مفاتيحها في فتحة الباب تفتحه بيدٍ مرتعشة، ثم دلفت وعيناها تبحثان عن والدها الذي لا تعرف هل عاد من عند صديقه أم لا، لكنها تيقنت من وجوده لكثرة الجلبة التي تصدر من المطبخ وصوته المغمغم بضيق وهو لا يعرف أين الأدوات كعادته، يناديها لتأتيه بما يريد ناسيًا بأنها ليست هنا.

- بابا.

نادته وهي تقف بمنتصف الصالة حتى خرج حسني من المطبخ بمنامته البيتيّة المخططة، انفرجت أساريره المنعقدة وهو يهتف كمن وجد ضالته: أخيرًا جيتي يا غادة، تعالي يا بنتي قوليلي بتخفي الحاجات فين في المطبخ، مش لاقي الملح، مش لاقي المعالق، ده أنا بالعافية لقيت الطاسة عشان أقلي فيها بيضتين، كذا مرة أقولك عرفيني أماكن الحاجة عشان لما تكوني مش موجودة بس هقول ايه، طالعة لأمك مش عايزني أدخل المملكة الخاصة بتاعتكم.

ضحك ثم استكمل بإدراك وابتسامة واسعة: صحيح أنتي تعرفي إني كنت مع صاحبي، عمك شكري لو تعرفيه، كلمته على سكرتيرة لمكتبك وطلع عنده قريبته بتدور على شغل وهتجيلك من بكره وتبدأي الشغل اللي بجد بقا.

أنهى حديثه بحماس يتوقع سماع صوت صراخها الفَرِح وقفزها في أحضانه، لكن وعلى عكس توقعاته لم يلقَ ردًّا، ولم تجارِه غادة بمزاحه تلك المرة وهي تنظر له بملامحها الرقيقة الضائعة، استدارت متجهة إلى الأريكة لتجلس عليها واضعة الحقيبة فوق الطاولة الصغيرة أمامها، عقد حسني حاجبيه من منظر ابنته وخشي أن يكون قد حدث لها مكروه وهي في المكتب فاتجه إليها سريعًا وهو يجاورها.

تساءل باستغراب وهو ينظر لها بتدقيق: مالك يا غادة في ايه، حصلك حاجة في المكتب؟

صمتت غادة وهي تمد يدها تفتح الحقيبة أمام والدها، ثم ناظرته تترقب ردة فعله، توسعت عينا حسني بصدمة ينظر للأموال، ثم ينظر لابنته، ثم يعاود وينظر للأموال بملامح مدهوشة، مد يده يحمل رزمةً من المال وهو يخاطبها بنبرة مستنكرة: ايه ده.. ايه كل الفلوس دي يا غادة؟

هزت رأسها تجيبه بصدق: معرفش.

- متعرفيش ازاي يعني؟

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن