الفصل الثالث

174 12 2
                                    

كلبشات دموية
"حارس شخصي"
ــــــــــــــــــــــــــــــ

كان يهرول هائمًا على وجهه في ممرات المشفى، لا يشعر بأنفاسه التي كادت أن تُزهق ولا بساقه التي أتعبته منذرة إياه بالفكاك منه، كل هذا لم يهمه، بل ما كان ينخر صدره هو الرغبة برؤية ولده أمام عينيه بتلك اللحظة، وإلا لن يضمن أن يهدم المشفى بأكملها فوق رؤوس من فيها.

لم يستفق بعد من صدمته التي تلقاها في الشركة بعد أن أنهى أحد اجتماعاته المرهقة لعقله وجسده، حتى آتاه اتصال من زياد يبلغه بإصابة ولده ونقله إلى المشفى من قليل.

جنون تلبسه، شياطين باتت تتراقص حوله وأمام عينيه، فكرة أن يُحرم من أحد أبنائه باتت الكابوس الذي يؤرق لياليه موشكًا على أن يفتك به عما قريب، هذا الكابوس الذي عاشه لسنوات وذاق مرارة علقمه، لقد حُرم من صغيره قديمًا ولن يتحمل أن يُحرم من كبيره البتة، لن يتحمل ولن تتحمل زوجته والتي لم تعلم بخبر إصابه ابنها بعد، قليل ما إن توقف قلبها بعد كل تلك الأحداث المهلكة للروح.

وصل عند الغرفة التي أشارت له الممرضة بوجود ولده فيها، فتح الباب بقوة وهو يقتحم الغرفة حتى أبصر الواقفين، سيدة غريبة عن عينيه، وشقيقه زياد يقف عند الفراش يضبط من وضع المحلول بعدم فهم لما يفعله، وفوق الفراش يرقد ولده مرهق الوجه مغمض العينين يلتف جذعه العاري بشاش أبيض، والذي فتح عينيه حينما شعر بالباب يُفتح وأبصر والده أمامه بهيئة مرتعبة.

همس مهد بصوت مجهد أثر استفاقته منذ قليل من المخدر: بابا.

تقدم براء من فراش ولده بقدمين هلاميتين محاولًا أن يتماسك، حتى وصل ليجلس على طرف الفراش بجوار الآخر ثم سأل بأنفاس لاهثة: ايه.. ايه اللي حصل، إزاي اتصابت؟

رد مهد ببساطة محاولًا طمأنة أبيه: متقلقش، إصابة عمل خفيفة.

تقدمت سهام التي كانت تقف عن كثب وهي تقول بصوت حزين مخاطبة براء: أنا بجد آسفة لحضرتك وللي حصل لابنك، كل ده بسببي، أنا اللي كنت مقصودة.

نظر لها براء وهو لا يفهم شيئًا من حديثها، فتحدث زياد شارحًا: دي سيادة الوزيرة سهام السعدني، ومهد كان مُكلف بحمايتها من ناس عايزين يأذوها وحصل هجوم واتصاب إصابة خفيفة، متقلقش الدكتور لسه مطمنا إنه كويس والرصاصة مأذتهوش كتير الحمدلله.

أغمض براء عينيه وهو لا يقوى على الحديث، حلقه جاف وضربات قلبه تصم أذنيه، شعر بكف مهد تمسك بكفه تربت فوقها بحنو، نظر لولده فأماء له مهد مطمئنًا إياه فهو أكثر العالمين بخوف أبيه عليه وعلى شقيقته، يعلم تلك "الفوبيا" التي تلبَّست أباه وأمه منذ وفاة شقيقه الصغير، فوبيا من أن يصيبه أو شقيقته أي خدش بسيط.

تحدثت سهام مجددًا بابتسامة صغيرة: حمدلله على سلامتك يا سيادة الرائد، ولتاني مرة بشكرك على اللي عملته معايا، أنت أنقذت حياتي وده جِميل في رقبتي مش هنساهولك، أنا هستأذن لكن مستنياك لما تقوم بالسلامة لأن اللي زيك لازم يفضل معايا، عن إذنكم.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن