الفصل التاسع عشر

126 14 3
                                    

كلبشات دموية
"مشاعر جديدة"
ـــــــــــــــــــــــــــ

توقفت كفه التي ارتفعت إلى شفتيه بسيجارته في منتصف طريقها، وببطء كان يرفع رأسه ليحدق في وجه زيدان بملامح غريبة، يحاول أن يستوعب ما قيل منذ ثانية، هل امتد اشتياقه إليها لأن يتخيل اسمها يُنطق في كل الأسماء؟

تصلبت تعبيرات وجهه وهو يبتلع لعابه بصعوبة، ثم دنى من صديقه متسائلًا بهدوء حذر، يخشى إجابة سؤاله داعيًا أن يكون عقله قد بات يُدلي بتخاريف تافهة: خطب مين؟

أماء زيدان مؤكدًا له ما سمع ليقول بهدوء ونبرة حائرة: ريناد بنت سهام السعدني، بس فيه حاجة غلط في الموضوع يا سعيد، ايه جاب البنت دي لمهد وايه اللي يخليه يرتبط بيها وهو بيحب رؤى، وفوق كل ده ميقولناش أي حاجة عن الموضوع، دماغي مقلوبة من ساعة ما قالي وبصراحة مش فاهم ايه اللي بيحصل.

أمسك مطفأة السجائر الكريستالية من فوق سطح المكتب، ليدهس فيها سيجارته المنتهية مسترسلًا أفكاره بأريحية: لا واللي خطبهاله عمه، سيادة اللوا زياد، يعني كده الموضوع بجد فيه لبش احنا مش فاهمينه.

لم يستمع لكلمة زائدة مما تفوه بها صديقه بعد اسمها، توقف الوقت من حوله وهو يشعر بتلك الغصة تعتصر صدره، وتلك النيران التي نشبت فجأة في خلايا جسده حتى بات الهواء لا سبيل إلى دخوله إلى رئتيه، استحالت عيناه لسواد عظيم، واختفت نسخة سعيد المعتادة لتظهر أخرى مخيفة الهيئة، بعينين متسعتين ووجه متصلب نهض منتصبًا من فوق مقعده حتى ارتمى المقعد أمامه من قوة دفعه، تحت نظرات زيدان المتعجبة لحالته، نظر للفراغ بقسوة قاهرة، قبل أن يحمل هاتفه ومفاتيحه من فوق المكتب ليستدير خارجًا من الغرفة كلها، غير عابئ بنداءات زيدان المتكررة إليه، فلم يكن يرى أمامه سوى وجهًا لشخص واحد فقط كان هدفه في تلك اللحظة.

~~~~~

جلس ثلاثتهم يتناولون الغذاء وسط أطراف حديث دافئة، ضحكات وابتسامات وصمت محبب، رفع وجهه عن طبقه بعد أن انتهى من أكل بعضه، ثم أمسك الفوطة البيضاء الموضوعة فوق المائدة وهو يمسح فمه برقي عالٍ هامسًا: الحمدلله.

نظرت غادة إلى بشار لتعقد حاجبيها باحتجاج تاركة ملعقتها: أنت مكلتش ولا ايه، أكلك بحاله؟

مسح أصابعه بابتسامة خفيفة ليردف: هو ايه ده اللي بحاله، ده أنا أول مرة أكل بالشكل ده من حلاوة الأكل.

تحدث حسني الذي كان يترأس الطاولة البسيطة قائلًا بفخر: أهو الأكل ده بقا عمايل إيد حماك، ايه رأيك يا سيدي؟

- ده واضح إنك طباخ درجة أولى يا عمي.

- الوحدة يا ابني بتعلم، لما اتوفت زوجتي الله يرحمها كان مطلوب مني أعمل كل حاجة تخص البيت لأن غادة كانت صغيرة ومتعرفش، فا كنت مضطر اتعلم وبقيت زي ما أنت شايف.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن