الفصل الثالث والثلاثون

187 21 15
                                    

كلبشات دموية
"ذَبـيـحَـة"
ـــــــــــــــــــــــــــ

تسابق جفناه لينفتحا ينظر للرمال الصفراء الندية أسفل جسده، لم يبدِ أي حركة بجسده وهو يدور برأسه ينظر يمينه لتلاطم أمواج البحر الهائج بنسائمه العاتية المختلط بعزيف الرياح، ثم لذاك الفضاء الواسع والليل الذي أسدل ستائره حجابًا فوق السماء، حتى استقرت عيناه أمامه عليها، منكبة فوق ركبتيها منحنية الرأس، ومن خلفها جلس بشار فوق مقعده يكبل ذراعيها بكفيه، ويناظره بابتسامة إبليسية لعينة.

ظل مرتديًا رداء الهدوء الذي كان مخيفًا عاصفًا أكثر من عواصف ذاك البحر، يتابع بعينيه الرجال الذين تراصوا جنبًا إلى جنب من خلفه وعن جانبيه ومن خلف بشار، يحلقون حول ثلاثتهم بملابسهم السود كملوك الموت.

حتى قرر بشار قطع الصمت حينما هتف بنبرته التي لا تفقد مكرها أبدًا: صحّي النوم يا عريس، يا راجل دي كانت يا دوب ضربة على الراس مش حقنة بنج.

لم ينطق مهد ولم يحرك ساكنًا بالرغم من تكبيل كفيه وساقيه، فقط نظرات عينيه التي كانت تحكي قصة رعب كفيلة بأن تدب الفزع بأعتى القلوب، راقب رؤى التي رفعت رأسها تطالعه بدموع ضعيفة وجسدها الهزيل الذي تعب من المقاومة فسكن فوق الرمال سكونًا ميتًا كروحها.

عاد بشار ليتحدث بينما يميل برأسه لجانب رأس رؤى، يمد كفه ليسير فوق وجنتها ببطء جعلها ترتعش بنفور وخوف تحت نظرات الآخر المشتعلة: بصراحة يا حضرة الظابط أنا بقالي كتير أوي مستني اللحظة دي، ومكانش ينفع أمشي من غير ما يبقى آخر مشهد بينا مميز.

عاد ينظر في عيني مهد وابتسامته تتسع بجنون ليردف: كنت عايز حبيبتك صح؟ متغلاش عليك يا عريس.

أنهى كلماته وهو يدفع رؤى بقوة لتشهق بألم وهي تقع فوق ذراعيها يرتطم وجهها بالرمال من أسفلها، عادت ترفع رأسها لتزحف بضعف حتى استقرت أمام مهد الذي طالعها بلهفة، ارتمت فوق صدره تبكي بقوة هامسة اسمه في هزيان متألم؛ فأغمض عيناه ومال برأسه ليتمسح في خصلاتها يشتم رائحتها بعمق.

همس لها بصوت حانٍ يخالف اشتعال عينيه وصدره: بس يا رؤى اهدي، محدش هيقدر يقرب منك وأنا معاكي، خليكي قوية عشان خاطري.

زاد أنينها وارتعاشة جسدها وزادت من ضغط ذراعيها حول جزعه، تتمنى لو ينشق صدره لتختبئ بداخله من تلك الوحوش التي تقف خلفها على أهبة الاستعداد للفتك بها وبه.

عاد صوت بشار يصدح وهو يمسح كفيه ببعضهما البعض بحماس بان غريبًا على قسماته: بص بقا يا مهد أنا طيارتي يادوب بعد ساعة من دلوقتي، فا قولت مينفعش أمشي كده من غير ما أعملكم فرح وزفة تليق بيكم، ما احنا عيلة واحدة بردو، دلوقتي بقا العروسة في حضنك واحنا هنا، والليلة ليلتك.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن