الفصل الخامس عشر

184 14 8
                                    

كلبشات دموية
"مـجـرمـة"
ـــــــــــــــــــــــــ

سار بخطوات متباطئة وهو يضع كفيه في جيبي بنطال بذلته، ينظر حوله بملامح ضجر وتأفف، منذ أن طلبته والدته ليأتي لها إلى هنا وهو يشعر بضيق يعتريه، خصوصًا وأنه لا يحب تلك النوعية من الأماكن المملة والتي يجتمعن فيها نساء الطبقات المخملية متحدثات عن آخر صيحات الموضة في الملابس ومساحيق التجميل، كما تتفن كل واحدة في التباهي أمام الأخرى بتلك السيارة الجديدة التي اشترتها للمرة الرابعة خلال ذلك الشهر، وثانية تتباهى بذلك الشاليه الذي اشتراه لها زوجها في الساحل الشمالي أو العين السخنة أو إحدى الجزر الأوروبية، وثالثة تتباهى بإجراء عملية تجميل للمرة العاشرة لتصغير أنفها أو تكبير أردافها.

الكثير والكثير من الثرثرة النسائية التي تدفع المرء للجنون وفقدان أبراج عقله كلها دفعة واحدة.

التفت بضجر حوله يبحث عنها حتى وجدها تجلس عند إحدى الطاولات التي تنتصف ساحة النادي، يقابلها سيدة في مثل عمرها وبجوارها فتاة شابة يبدو عليها الصغر والجمال، رأته نيرة فأشارت له بكفها تناديه بصوت مرتفع نسبيًّا: بشار.

أماء لها بملامح صلبة ثم اقترب منها بخطوات ثابتة حتى وصل إليها، اقتربت منه نيرة وهي تمسك بذراعه قائلة بابتسامة واسعة: اتأخرت كده ليه بس ده احنا قاعدين مستنيينك من بدري، تعالى يا حبيبي.

أشارت نيرة ناحية السيدة الجالسة لتقول: أعرفك دي مدام داليا صحبتي من زمان وبنتقابل كتير هنا في النادي.

ثم أشارت لتلك الشابة الجالسة بجوارها لتقول بحب: والجميلة دي بقا تبقى شذى بنتها الصغيرة، وزي بنتي بالضبط.

لم يبدِ بشار أي تغيير في ملامحه وهو يومئ برأسه قائلًا باقتضاب: أهلا.

تحدثت داليا وهي تشير له بابتسامة: إزيك يا بشار، بس ايه ده أنت كبرت وبقيت راجل قد الدنيا ما شاء الله، تصدق آخر مرة شوفتك فيها كنت في ثانوي.

ضحكت نيرة وهي تربت فوق كتف ابنها: السنين بتجري يا داليا والأولاد بيكبروا بسرعة، ده احنا لسه امبارح كنا قاعدين نفس القاعدة دي أنا وأنتي وبنختار أسامي عيالنا اللي لسه مجوش.

تبادلا الضحك بحب على تلك الذكريات القديمة، عقد بشار حاجبيه وهو ينظر لوالدته بنظرات ضائقة ليقول: خير يا ماما طلبتيني أجيلك ليه؟

تنحنحت نيرة وهي تجذبه ليجلس على المقعد المجاور لها، والمقابل لشذى التي كانت تبتسم بحياء وهي تعيد شعرها المتطاير لخلف ظهرها، تفاجأ بشار بحركات أمه وهي تجلسه عنوة ثم أشارت للفتاة لتقول له بنبرة حماسية: ايه يا حبيبي أنت مش هتتكلم مع شذى، مش فاكر لما كنتوا دايمًا تلعبوا مع بعض وانتوا صغيرين.

كلبشات دموية (الجزء الثالث من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن